من الأسرع في ميدان العراق؛ الولايات المتحدة أم إيران؟ ..بقلم: المحامي أحمد طارق قلعه جي

من الأسرع في ميدان العراق؛ الولايات المتحدة أم إيران؟ ..بقلم: المحامي أحمد طارق قلعه جي

تحليل وآراء

الاثنين، ١٤ يوليو ٢٠١٤

وفق الاستراتيجية الأمريكية فإن الرهان يكمن دائماً على نقيضي المشهد، أي الموازنة بين ماذا لو نجح سيناريو التقسيم في العراق بين ثلاث دويلات انفصالية كردستان والخلافة ودويلة للشيعة، وبين ماذا لو لم ينجح وأثبت العراق أنه قادر على امتصاص صدمة العدوان المدعوم أميركا وسعودياً وتركياً وبدرجة لا يستهان بها إسرائيلياً أيضاً، واستطاع فيما بعد أن يحدد ملامح المعركة انطلاقاً إلى الحسم.
في الأيام الأولى من هجوم داعش على العراق رأينا أن الخارجية الأمريكية على لسان جون كيري قد روجت لسيناريو جون بايدن الذي يرى حتمية تقسيم العراق كحل لما اعتبره حرباً طائفية بحيث يناسب جميع الأطراف، وبهذه الحالة أرسى مشروعية أمريكية لتحركات تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام بغطاء سعودي وأرسى معه تلميحات أمريكية تعكس الطموح الإسرائيلي في انفصال إقليم كردستان. وبدأ التعاطي الأمريكي مع هذا السيناريو كأمر واقع. لكن وعلى المنقلب الآخر كانت هنا قراءة موازية لهذا السيناريو لا يمكن اعتبارها معاكسة، إذ أنها مرتبطة بحصد النتائج، فالولايات المتحدة ليست بهذا الغباء حتى تراهن بكل أوراقها على انتصار القاعدة في العراق وهي التي تدرك بأن محيطه الإقليمي لن يسمح بذلك، فاقتصر الأمر على الدعم والتشغيل بانتظار أن يطلب العراق من الولايات المتحدة التدخل ومد يد العون، عندها يجب أن تكون جاهزة لاقتناص اللحظة والدخول بصفة فاتح وشرطي دولي من الباب الذي خرجت منه مذمومة مدحورة كدولة احتلال، ومع قراءة سريعة للمشهد تبدلت اللهجة الأمريكية من ترحيب بانفصال كردستان إلى ضرورة المحافظة على وحدة العراق وحكومته الاتحادية، وربما شكل هذا الانقلاب سبباً في توتير العلاقات مع إسرائيل التي كانت تراهن على السيناريو الأول. وبدأت عروض الدعم للعراق في حربه مع داعش تتخذ منحى تصاعدياً من جانب البيت الأبيض الذي خطط للدخول في سباق اختطاف العراق من إيران عن طريق المساعدات والدعم العسكري والترتيبات الأمنية، لكن هل تملك واشنطن حقيقة القدرة على منافسة إيران على العراق؟ وهل تستطيع تقديم ما وعدت به؟. وعليه فإن الخيارات التي وضعها باراك أوباما على طاولة البحث حول الوضع في العراق تتراوح بين:
-    تقطيع أوصال العراق وفرض خارطة جيوسياسية جديدة لن تستطيع الولايات المتحدة الحفاظ عليها لأن آلية رسم الخارطة مخيفة حتى للولايات المتحدة والغرب، وسينتج عنها تمدد القاعدة التي أعلنت مشروعها المؤجل أي دولة الخلافة الإسلامية التي تمتد لتشمل أوروبا.
-    القبول بحكومة يرأسها نوري المالكي دون توافقات أمريكية مع إيران وبالتالي يكون المشروع قد فشل وتكون الولايات المتحدة قد تركت الساحة مرة ثانية لإيران بصورة مشابهة لما جرى بعد حرب الخليج الثانية.
-    الإسراع في تقديم الدعم العسكري واللوجستي للعراق لفرض نفسها كدولة حامية لاستقرار العراق ومانعة من تقسيمه والدخول في سباق حقيقي مع إيران لاجتذاب حكومة المالكي والأطراف العراقية على نحو يغني عن الدعم الإيراني ويقلص نفوذها في العراق.
في السابع والعشرين من حزيران 2014 قرع مايكل نايتس الخبير بشؤون العراق في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ناقوس الخطر، الولايات المتحدة ستخسر السباق مع إيران فالطريقة التي تدار بها مسألة الدعم غير فعالة إلى الآن، إرسال مستشارين عسكريين أمريكيين إلى العراق وطلب البيت الأبيض من الكونغرس الموافقة على منح من يعتبرهم معارضة سورية معتدلة مبلغ 500 مليون دولار للمساهمة ليس في إسقاط سورية وإنما في قتال داعش. في حين تراهن على استمرار هذا الحال لما بعد شهر رمضان والضغط من بوابة المساعدات المؤجلة لانتزاع حكومة عراقية تخدم مصالحها في المنطقة دون أن يكون المالكي رئيساً لها وعقد تحالفات مع مكونات المجتمع العراقي واستمالة السنة والأكراد. لكن الوقت والتطورات الأمنية والعسكرية لا تسعف الولايات المتحدة. ففي الوقت التي بقيت فيه المساعدات الأمريكية العسكرية إلى الحكومة العراقية حبراً على ورق باستثناء إرسال الخبراء العسكريين الأمريكيين وهم من المحاربين القدماء في العراق فإن المساعدات العسكرية الإيرانية أصبحت على الأرض وبين يدي الجيش العراقي الذي بدأ يستعيد السيطرة على الكثير من المناطق التي سبق أن احتلتها داعش في الفترة الماضية، مع بروز لاعب دولي جديد في العراق أي الاتحاد الروسي الذي بدأ فعلياً بتسليم العراق أسلحة متطورة ضمن صفقات تجاوزت الآمال الأمريكية في اقتناص الفرصة حتى على مستوى صفقات التسليح. أوباما يجد نفسه اليوم في مأزق خطير فإما أن يفي بوعوده بتسليح المعارضة السورية ومن بينها دفاعات جوية متطورة وبالتالي فإنه يراهن على عدم وصول هذه الأسلحة إلى داعش وهذا غير منطقي لأن الفصيل الأساسي للمجموعات المسلحة في سورية أي جبهة النصرة بدأ بالانسحاب لمصلحة داعش في شمال سورية، بينما بايعت بعض الفصائل الأخرى دولة الخلافة، هذا إن كانت واشنطن تملك القدرة على توفير هذه المبالغ، وإما إنه سيعزف عن هذا الأمر باتجاه تقديم دعم حقيقي للجيش العراقي وهذا معناه إنه سيدعم حكومة المالكي الخصم السياسي في العراق وسيناقض تحالفه مع المملكة العربية السعودية، وهو يعلم في الوقت نفسه أن انتصار المالكي يعني انتصار إيران وسورية وبالتالي ستكون واشنطن قد قدمت خدمة مجانية لهاتين الدولتين وخسرت نفوذها في المنطقة، لهذا فإن التصريحات الأمريكية الحالية لا تتجاوز أبعاد المطالبة بإصلاحات سياسية بانتظار ضوء أخضر من إيران للدخول في شراكة يجتمعان من خلالها على أمرين، الأول ترتيب الأوضاع في المنطقة على أساس تقاسم المصالح يكون الثمن رأس دولة الخلافة وربما المملكة العربية السعودية مقابل إعطاء دور لقطر التي بدأت بدراسة هذا الاحتمال فتقربت من إيران والاعتراف بانتصار سورية وبالتالي عقد التسويات على هذا الأساس لاستقرار المنطقة خاصة وأن الولايات المتحدة وفق ما تعلنه السياسة الإيرانية تتقاطعان عند محاربة القاعدة في العراق لكنهما تختلفان حول شكل العراق بعد القضاء على الإرهاب، وإما أن تستمر الولايات المتحدة في دعم الحرب السعودية ضد إيران في العراق بانتظار تحول ما يعزز فرض شروطها الاستراتيجية في المنطقة.
لكن المحللين السياسيين الأمريكيين ومن بينهم مايكل نايتس يرى بأن القطار قد انطلق بأسرع مما كانت تتصور الولايات المتحدة، على نحو لم يعد بإمكان واشنطن اللحاق به أو تدارك نتائجه أو التحكم بمساره، وبالتالي فمن المتوقع أن نشهد انقلاباً أميركياً على نغمة تقديم المساعدات لحكومة المالكي نحو الحديث عن جرائم حرب وإبادة جماعية والتشكيك بقدرة العراق في منعها تستدعي تدخلاً دولياً أو أنها -وهذا متوقع- ستؤيد تقسيم العراق وإقامة دولة كردية في إطار خارطة التقسيم القديمة وبهذا تحجم النفوذ الإيراني في العراق، لهذا فالتصريحات الأمريكية شيء؛ وما يتم في الكواليس شيء آخر.