السياسة الضريبية والتنمية الاقتصادية ..بقلم: د. عماد الدركزنلي

السياسة الضريبية والتنمية الاقتصادية ..بقلم: د. عماد الدركزنلي

تحليل وآراء

الجمعة، ١١ يوليو ٢٠١٤

قد يرى البعض أن الكلام عن النمو الاقتصادي في ظل الظروف الحالية هو مضيعة للوقت لأنه من الأنسب أن نتكلم عن طريقة للنجاة من الغرق في مستنقع الأزمات الاقتصادية المتتالية العالمية منها والمحلية، وأن مركب النجاة هو التبعية الاقتصادية والعبودية المطلقة للدولار.
فإذا كان النمو الاقتصادي هو الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية التي هي رأس المال والعمل والإدارة، فإن السياسة الضريبية الملائمة تهيئ المناخ المناسب لتحقيق النمو الاقتصادي وليس كما يعتقد خطأ أنه يجب أن تكون السياسة الضريبية أداة من أدوات النمو الاقتصادي.
أهداف السياسة الضريبية:
1- مالياً: التغذية النقدية لخزينة الدولة لمقابلة النفقات.
2- اقتصادياً: الحفاظ على استمرار النشاط الاقتصادي واستقراره ومواجهة التقلبات الاقتصادية كالانكماش والتضخم من خلال التأثير على العرض والطلب.
3- اجتماعياً: إعادة توزيع الدخل القومي.
ولتقدير السياسة الضريبية الملائمة للمرحلة القادمة يجب أولاً تحديد الأهداف التي يجب تحقيقها، وبنظرة سريعة على واقع السنوات السابقة يمكن تحديد السياسات الضريبية الممكنة لتحقيق الأهداف، وإن الإحصائيات الضريبية المتوفرة من أرقام قطع الحسابات لعام 2009 والتي هي كالتالي بملايين الليرات السورية.
من الجدول المرفق يتضح أن:
1- نسبة الضرائب والرسوم إلى إجمالي الإيرادات العامة هي 82% تقريباً، أي أن الضرائب والرسوم تعتبر المصدر الرئيسي للتغذية النقدية لخزينة الدولة، لذلك يجب إعادة دراسة القوانين الضريبية حسب المتغيرات الحاصلة في هذه الأزمة خصوصاً وأن القوانين الضريبية المعمول بها قد وضعت قبل الأزمة، وكذلك إعادة دراسة جدوى استثمارات الدولة ودراسة طرق تنشيطها حيث من الممكن مشاركة القطاع الخاص في بعض هذه الاستثمارات.
2- نسبة ضريبة دخل المهن إلى إجمالي الضرائب والرسوم هي 91% تقريباً، مع العلم أن التركيبة الهيكلية لهذه الضريبة تتضمن غالبيتها العظمى من القطاع العام، وأن القوانين الضريبية المعدلة لقانون الدخل الأساسي تتجه إلى فرض نسبة ضريبية واحدة على أرباح المهن، فمثلاً:
- القانون 60 لعام 2004 استثنى جميع المقاولين والمتعهدين من التكليف عن أعمالهم بضريبة الدخل حسب القانوني 24 لعام 2003 وأخضعهم للتكليف بنسبة واحدة، وهذا يجعل جميع أعمال المقاولات متساوية من حيث الضريبة المفروضة عليها.
- المرسوم 51 لعام 2006 استثنى المنشآت السياحية من التكليف عن أعمالهم بضريبة الدخل حسب القانون 24 لعام 2003 وأخضعهم للتكليف بنسبة واحدة من رقم العمل الإجمالي تدفع شهرياً، وقد أثر هذا سلباً على قطاع السياحة في ظل الأزمة الراهنة.
- القانون رقم 41 لعام 2005 استثنى أرباح تجارة العقارات من التكليف بضريبة الدخل حسب القانون 24 لعام 2003 وأخضعهم لمعدلات ثابتة الأمر الذي أثر سلباً على أسعار العقارات.
- المرسوم رقم 52 لعام 2006 الخاص بضريبة تأجير العقارات غير السكنية.
قد تحقق الضريبة بنسبة وحيدة العدالة بين ممارسي المهنة الواحدة حيث يدفع الجميع ذات النسبة سواء كبرت أو صغرت فعاليتهم ولكن هذه العدالة هي عدالة ظاهرية حيث تحقق الفعاليات الكبيرة كفاءة أعلى في استخدام عوامل الإنتاج من الفعاليات الصغيرة وبالتالي تكون نسبة الأرباح التشغيلية للفعاليات الكبيرة أعلى منها في الفعاليات الصغيرة وبالتالي تكون الضريبة تؤدي عكس هدفها الاجتماعي في إعادة توزيع الدخل القومي، وكذلك الأمر إذا أخذنا التركيبة الهيكلية للإنفاق فالمقاول الصغير الذي يحقق ربحاً صافياً بمبلغ 75000 ل.س مثلاً ينفق غالبيتها العظمى على حاجته الرئيسة وبالتالي تطال الضريبة حاجاته الرئيسة بينما المقاول الكبير ينفق هذا المبلغ على حاجته الكمالية وبالتالي فإن إنفاقه على حاجته الرئيسة لا يتأثر، وتكون الضريبة قد أدت عكس أهدافها الاجتماعية.
3- نسبة ضريبة ريع العقارات إلى إجمالي الضرائب 1.34% ونسبتها إلى إجمالي الضرائب والرسوم 0.78%، وهي نسبة منخفضة جداً في ظل الظروف الحالية من ارتفاع قيمة العقارات.
4- نسبة ضريبة ريع رؤوس الأموال المتداولة إلى إجمالي الضرائب والرسوم 1.17% وهي أيضاً نسبة منخفضة جداً الأمر الذي يجعل المستثمر يتجه إلى إيداع أمواله في المصارف بدلاً من استثمارها في مشاريع إنتاجية.
لذلك في ظل الظروف الحالية قد يكون من الأنسب تعديل السياسة الضريبية بما يساعد على تهيئة المناخ المناسب لتحقيق نمو اقتصادي والخروج من الأزمة الاقتصادية وذلك حسب التالي:
1- إلغاء القوانين المراسيم المعدلة لقانون الدخل رقم 24 لعام 2003 والتي تتجه إلى فرض نسب ضريبية واحدة على جميع المستثمرين في قطاع معين.
2- الاتجاه إلى إعادة تقدير العقارات وبالتالي تعديل ضريبة ريع العقارات بما يتناسب وقيمها الحالية، والاستفادة من تجربة ألمانيا بعد الحرب في فرض ضريبة إعادة الإعمار على العقارات القائمة.
3- فرض ضريبة على أرباح تجارة العقارات تتماشى وتضخم قيم العقارات السوقية، الأمر الذي يحد من ارتفاع أسعار العقارات ويوجه المستثمرين إلى القطاعات الاقتصادية الأخرى.
4- وضع آلية لفرض ضريبة على القيم الحقيقية للإيجارات، حيث نرى غالبية العقارات المؤجرة تسجل عقودها بمبالغ زهيدة بعيدة عن الواقع، وإن وضع آلية لضبط الإيجارات الحقيقية تحد أولاً من الارتفاع الكبير في الإيجارات كما تخلق مطرحاً ضريبياً حقيقياً لخزينة الدولة.
5- رفع نسبة ضريبة ريع رؤوس الأموال المتداولة على الودائع المصرفية وذلك بهدف تشجيع أصحاب رؤوس الأموال على استثمار أموالهم في السوق بدلاً من استثمارها في الودائع المصرفية.