الشيء بالشيء يذكّر.. بقلم: د.اسكندر لوقا

الشيء بالشيء يذكّر.. بقلم: د.اسكندر لوقا

تحليل وآراء

الأحد، ٦ يوليو ٢٠١٤

في الحالات العادية أحياناً لا نتذكر بما مررنا به من تجارب قديمة نسبياً تستدعي منا التوقف عند تفاصيلها. ولكن، في غالب الأحيان، تندرج تفاصيل البعض من تلك التجارب أمام الذاكرة البصريّة لمقاربتها تجارب نعيشها راهناً أمام أبصارنا وبصائرنا، بشكل أو بآخر.
على سبيل المثال يروي التاريخ عن أدولف هتلر [1889-1945]، زعيم النازية في ألمانيا أربعينات القرن الماضي، أنه بتاريخ 20 حزيران عام 1943 أصدر أمراً بإحراق جميع اللوحات الفنيّة التي رسمها الفنان العالمي بابلو بيكاسو [1881-1973] على مدى سنوات لأنه وجد فيها انحرافاً مرضياً وجنوحاً نحو الانحلال. فضلاً عن ذلك، لم يكتف بما قاله عن اللوحات بحدّ ذاتها فوصف بيكاسو باللقيط الذي يجب أن تُسحق آثاره جميعها.
وكان طبيعياً أن تنفذ قواته، في سياق احتلال فرنسا، أن تنفذ أمر زعيمها فقامت بإتلاف حوالي خمسمئة لوحة في شوارع العاصمة باريس وعلى مرأى من سكانها الذين هالهم مشهد المجزرة التي قضت على آثار بيكاسو الفنيّة، في غضون ساعات قليلة، ولم يجرؤ أحدهم على الاعتراض خشية دفعه إلى محرقة الفن هذه.
هذه المجزرة، لا أدري لماذا ألحت عليّ تفاصيلها اليوم كي تظهر للعلن. تراها المجازر العديدة التي ارتكبت وما تزال ترتكب بوحشية ضدّ بلدنا سورية في سياق التعدي على آثارها وأوابدها الحضارية، سواء ما كان منها محتضناً داخل جدران كنيسة أو مسجد أو في العراء هنا وهناك أم ترى لماذا؟ إن قوات ما يسمى بداعش وفروعه في سورية، كما في جوارها، بماذا تختلف عن نزعة الحقد والتدمير التي كانت تسيّر هتلر إلى حدّ الاعتداء على فنان عالمي بمرتبة بيكاسو الذي تحدث التاريخ عنه، بعد عشرين سنة على وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، بإعلان متحفي شتوتغارت وميونيخ في ألمانيا أنهما قاما بتكليف بيكاسو نفسه رسم لوحتين لحفظهما بين مقتنياتهما مقابل مليون مارك لكل لوحة؟
على نحو ما تعرضت له لوحات الفنان بيكاسو، ثمة مئات المئات من اللوحات والأيقونات والمقتنيات النادرة في منازل ومكاتب السوريين التي تعرضت للسرقة أو التدمير في سياق الهجمة النازية الحديثة، داعشياً وغير داعشي، في السنوات الأخيرة على سورية، البلد الحاضن للتاريخ الإنساني بكل ما فيه من كنوز المعرفة التي أضاءت أمام الإنسان درب رقيّه في سلم الحضارة منذ قديم الأزمنة وإلى يومنا هذا.
وأيضاً إلى يومنا هذا كنّا نعتقد أن أدولف هتلر، هو الوحيد بين مجرمي العصر الحديث على النحو الذي رواه عنه التاريخ، ولم يكن يخطر في بال أحد أن ثمة من سيأتي بعده ليعلن أنه الأشد قدرة منه على ارتكاب الجرائم بحق الإنسان في الوقت الحالي حتى شاهدنا صورها بالعين المجردة.