الفتوى والإفتاء والافتئات.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

الفتوى والإفتاء والافتئات.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الخميس، ٢٦ يونيو ٢٠١٤

لقد آن الأوان- إن لم يكن قد قُصد تعطيل أسبابه- لعقد مؤتمرات وندوات وحلقات بحث وورشات عمل للبحث في استراتيجيات الفتوى والإفتاء ولتوضيح مظان عملها في قضايا التحليل والتحريم وما كشفته الأزمات التي طافت في العالم العربي والإسلامي ولا تزال تطوف به وخصوصاً بما ذاقته الأرض السورية من ويلات المتأسلمين الذين استباحوا مساحات الفتنة والإجرام والقتل البشع والإفساد في الأرض بمظاهر غير نوعية لشدة حقدها وشرورها باسم الدين والكتاب والسنة، وقد تبرّأ منهم هذا الدين وخرجوا منه هم وأكابر مجرميهم في السعودية وفي مطابخ الإرهاب والتشدد وإزهاق الحق والنفوس بأدنى شبهة وفي دول أخرى كانت عبئاً على الإسلام السماحة والسلام، وقد مَرَق أدعياؤها من هذا الدين كما يَمرُق السهم من الرَّميّة!..
فما هو موقع الإفتاء في العالم الإسلامي عموماً؟ وما هي خططه وبرامجه؟ وما مدى صلاحياته وعلاقاته بسياسة القيادة والحكم في الدول الإسلامية؟ هل هو مستقل أم هو تابع أو مسيّر لمآرب ورعونات وغايات؟ وما هي الجهة التي تتمتع بأهلية الاختيار للمفتين منهجياً وعلمياً واعتباراً في الصلاحيات؟ سواء من حيث قيادة الإفتاء العام أو الخاص ومدى استيعاب المذاهب على تنوعاتها؟ ألا تستدعي الضرورات اليوم – قبل أية حاجة- ضرورة إعلان مواقف الإفتاء تجاه ما جرى ويجري باسمه عن تضليل واستغلال وافتئات؟ وقد رأينا عياناً كيف تصدَّر إلينا الضلالات الكافرة للفتوى فيما سُمي زوراً وبهتاناً وانتحاراً كافراً إعلان الجهاد في سورية وإباحة كل تدمير وتخريب وقتل للأطفال والنساء والأبرياء وللنفوس ولدور العبادة ورجال الدين في المواقع الإسلامية والمسيحية مع إباحة النهب والسرقات لكل شيء ولو كان عوداً مغروزاً في حائط فهي لا تبقي ولا تذر فضلاً عن رجس إباحة الزنى وتصدير نساء وفتيات إلى مجاهدي الفتنة والفسق باسم نكاح الجهاد من غير أدنى مسوّغ شرعي إضافة إلى اختلاق إفك التسرّي للإناث الحرائر باسم ملك اليمين!! فهل أُذن لنا بأن نقترح- لدوافع هذه الغيرة على المصلحة العامة- بإنهاض قيام مؤتمرات للفتوى على مستوى الأمة الإسلامية وعلى مستوى الجاليات الإسلامية في العالم كله، ووضع برامج عمل لها بالتنسيق والتشاور والتكامل مع الحكومات عن اجتهاد جاد لوضع الحدود الحادة تجاه فوضى الإفتاء والتلاعب بالنصوص وبرموز الدين وشعائره على نحو ما وصلنا إليه اليوم؟ حتى حدثت الفجوة المؤلمة كما نرى حديثاً بين الدين وأهله وبين عامة الناس، وتضاءلت الثقة بالحرام والحلال عند العامة على جريرة إهمال المصداقية الإيمانية والرقابة الربانية والنفعية الفقهية التي لا غنى لأي ضمير ديني وإنساني عنها، فهل ستبقى برامج الإفتاء حبيسة فتاوى الطلاقات والطهارات والعبادات والبرزخيات مما يمكن لأدنى طالب علم أن يُلمّ بها من غير اجتهاد؟ وهل ما حدث في سورية وما رأيناه من بهتان باسم الشرع في مناطق مختلفة منها، وما اختلق فيها من مجالس قضائية متحللة أو افتئات مجالس شرعية من وحي إبليس تحلل وتحرّم وتقتل وتعاقب وتقيم الحدود التي لا معنى لها في حقيقة الدين؟.. هل ذلك كله قد نهضنا لمواجهته بالتنور الديني وبالوعي الحقوقي الفقهي الذي يدحض أولئك ويقنع العقلاء والبسطاء بالحقيقة التي تزهق كل تغرير وتمحق كل افتئات؟! وهل لنا أن نبين الفتوى الشرعية بالتحقيق الموضوعي لما يسمى بالمعارضة الخارجية ودولتهم الهوائية ومساعيها العدوانية في الحقيقة والغوغائية وفي النفاق والتبعية لأعداء الأمة والإسلام الذين تؤيدهم شواهد استكبارهم على العرب والمسلمين، وجرائمهم ومجازرهم وأحقادهم علينا ثم يحتمي ويستنصر بهم هؤلاء المعارضون والمنشقون والعاقون لكرامة الإسلام ولشعوب الأمة؟ فمن هؤلاء؟ وما هو حكمهم في الإدانة؟ ولماذا لا يعرف الناس الحق من الباطل في هذا كله؟! حتى لا ينزلق الأبرياء وأصحاب القلوب الخالية ويغرر بهم؟
ولماذا لا يكون هذا التعريف والإيضاح وفق حقائق أصول الفقه الإسلامي عن أدلّة وشواهد وإقناع ميسور أمام عقول الناس في الوطن، ولدى شعوب العالم العربي والإسلامي ليحذروا ويتقوا أولئك المجرمين من عصابات وإرهابيين حقاً عن قناعة دينية واضحة في الفتوى والبيان؟!.. وتبقى الفتوى في الإسلام ولدى المؤمنين والمسلمين هي المقام المقدس لأنها الضمير الإيماني الفقهي العملي لكل مستجدات الحياة والأمة عن طمأنينة ورضى وسلامة.. (لها بقية)..