الرؤساء القادة ( 4-15 ).. بقلم: ميساء نعامة

الرؤساء القادة ( 4-15 ).. بقلم: ميساء نعامة

تحليل وآراء

السبت، ١٢ أبريل ٢٠١٤

الرئيس حافظ الأسد قاد سورية في أصعب المراحل التاريخية، فمن العام 1971 إلى العام 2000 حقبة زمنية أسست لبناء دولة حديثة بجميع المقاييس. قد يختلف البعض وقد تتفق الأغلبية على سياسة الحكم في سورية إبان حكم الرئيس حافظ الأسد لكن من يدرك مقومات قيام الدول لابد أن يؤكد بأن الأسد كان قائداً صلباً استطاع أن ينتشل سورية من فوضى التدخلات الأجنبية والإقليمية والتجاذبات الداخلية، كما حول سورية من مساحة منسية على خارطة العالم إلى وطن صغير يحمل قضايا الأمة العربية. لكننا عندما نقول: بأن الرئيس حافظ الأسد باني سورية الحديثة ونتحدث بالعموميات عن مرحلة تسلمه الحكم في سورية لمدة ثلاثة عقود، قد لا نقارب الحقيقة لأن الحديث عن الرئيس قد يلغي سنوات طويلة من عمر القائد حافظ الأسد ولعل الدخول في التفاصيل الدقيقة من مسيرة حياته الشخصية والأحداث المفصلية التي جعلت منه القائد الاستثنائي لمرحلة تاريخية تعتبر استثنائية أيضاً، يصحح مسار بحثنا ويترجم العلاقة الجدلية بين القائد والرئيس. فكيف لابن الريف الشاب أن يحظى بشعبية كبيرة بين أقرانه ويكسب ثقتهم إن لم يكن يتمتع بمزايا أخلاقية وفكرية وعلمية تفوق جميع أبناء جيله.
التحدي الأول الذي واجه الطفل حافظ الأسد ابن التاسعة من عمره هو مغادرة قريته "القرداحة" للدراسة في مدرسة اللاذقية، ويقول عنها القائد الأسد:" ربما كانت تلك أهم نقطة تحول في حياتي"، أما التحدي الثاني الذي واجهه في مراحل عمره الأولى فكان حصوله على الشهادة الابتدائية لكي يتسنى له فرصة الدراسة الثانوية وكانت المنافسة قوية والفرص قليلة جداً لكن الذكاء والنبوغ اللذين تمتع بهما الشاب حافظ الأسد جعلاه يدخل الثانوية ويتفوق على أبناء المدينة.
في السادسة عشرة من عمره بدأت ملامح النضوج السياسي تأخذ بعدها القيادي في شخصية الشاب حافظ الأسد لاسيما انضمامه إلى حزب البعث العربي الاشتراكي متمرداً على جميع مخلفات الاستعمارين العثماني والفرنسي وتكريسهما للطائفية والتفرقة بين أبناء البلد الواحد.
لقد وجد الشاب حافظ الأسد في مبادئ ومنطلقات حزب البعث العربي الاشتراكي ما يلبي طموحه وتطلعاته لردم الفجوة التي خلفها الاستعمار بين ماضٍ مجيد وحاضر يعج بالتخلف والسيطرة الأجنبية، خصوصاً أن مرحلة الأربعينيات كانت تشهد بروز أحزاب علمانية عديدة منها الحزب القومي السوري والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي ومعظمهم وقفوا في وجه الفكر الطائفي الذي كان يقوده حزب الإخوان المسلمين. بدأ نضال الطالب حافظ الأسد وتحولت غرفته الصغيرة في مدينة اللاذقية إلى مقر لنشر فكر الحزب، كما أنه أدرك في تلك المرحلة المبكرة من العمر أهمية العلم ونشر المعرفة وراح يجمع تبرعات من الطلاب الميسورين لدفع أقساط الطلاب الذين لم يتمكنوا بسبب فقر الحال من دفعها. تنامت شعبية الطالب المناضل حافظ الأسد الذي اعتقل عدة مرات أثناء خروجه بمظاهرات تندد بالوجود الصهيوني في فلسطين العربية خاصة بعد قرار الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في 29/ 11/ 1947 القاضي بتقسيم فلسطين وتخصيص أكثر من نصفها لدولة يهودية. وبين الأعوام/ 1949 – 1951 / انتخب رئيساً للجنة الشؤون الطلابية في مدرسته، فكان مثالاً للطالب المتفوق دراسياً والنجيب أخلاقياً والمتشبع سياسياً، والمدرك لحقيقة الأحداث التي تمر بها سورية ضمن وجودها العربي فتمرد على التبعية والارتهان للخارج ونظّم المظاهرات ونشر بسرية وجرأة فكر حزب البعث واستقطب معظم الشباب السوري آنذاك ما دفع زملاءه لانتخابه في العام 1951 رئيساً للمؤتمر العام لجميع طلبة سورية.
بعدها عاد إلى قريته كقائد طلابي وطالب متفوق رغب في دراسة الطب لكنه كان غير قادر على الوصول إلى بيروت ودفع أقساط الدراسة الطبية، ليجد في التحاقه بالكلية الحربية بحمص ما يلبي تطلعاته في الدفاع عن وطنه ومبادئه. وتفوقه كضابط طيار في القوات المسلحة التي وصّفها بعض الكتاب والمعاصرين بالجيش الطفولي، لا تقل أهمية بل تزيد على نضاله الطلابي، فقد أدرك الضابط حافظ الأسد الثغرات الموجودة في القوات المسلحة وبدأ يجمع حوله أصدقاء السلاح والسياسة من معظم المحافظات السورية من أجل الارتقاء بالوطن السوري الصغير وعينه على الوطن العربي الكبير. حتى فترة الخمسينيات والستينيات كان الريف السوري يعاني من الفقر ونقص الخدمات وعلى رأسها الكهرباء ومياه الشرب والمياه لسقاية المزروعات، كما أنه حُرم من الصرف الصحي والعناية الصحية فقد كانت الأمراض المميتة تنتشر وتنتقل دون وجود مراكز صحية أو مشافٍ. بل إن معظم المدن السورية كانت محرومة من الكهرباء باستثناء دمشق وحلب. في نهاية ستينيات القرن الماضي بدأت ملامح المشروع السياسي والإصلاحي تتوضح لدى الضابط القائد حافظ الأسد وسرعان ما تحول المشروع إلى حقيقة قابلة للتطبيق بعد قيام الحركة التصحيحية في العام 1970 .