التغيير بين الساعة والأداء.. بقلم: سامر يحيى

التغيير بين الساعة والأداء.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ١١ أبريل ٢٠١٤

كل سنة نكرر مرتّين الحديث عن جدوى تعديل الساعة، مرّة نقدّمها ومرّة نؤخرها.. المشكلة لا تكمن بالساعة طبعاً، إنّما بالحجج التي سوف تتحمّلها عملية تغيير الساعة، أسوةً بالكثير من الأمور التي نحمّلها أخطاءنا وعثراتنا وتقصيرنا، بل عدم رغبتنا بالقيام بعملٍ ما واتهام الآخر به، فإلقاء العذر سواء تأخر الموظّف عن الالتزام بدوامه الصباحي، أو التأخّر بتنفيذ الكثير من الأعمال المطلوبة بحجّة تغيير الساعة البيولوجية الداخلية ونحتاج وقتاً للاعتياد على التوقيت الجديد، هذا دائماً يضعنا أمام تساؤل هل نحن ضد التغيير، وخاصّة الضروري في الحياة، سواءً بسبب تعاقب الليل والنهار، أو التغيير الذي يؤدي لتعظيم الإيجابيات وتطويرها والاستفادة منها بالشكل الأمثل، وتغيير السلبيات التي تؤدي للتخلص منها ودراستها جدياً لمعرفة إمكانية تفاديها مستقبلاً..
هل لدينا الرغبة من أجل التغيير الإيجابي؟ وهل سيخطر على بالٍ أي منا أن يبدأ بتغيير نفسه للأفضل من أجل إعادة التوازن لحياتنا، وإعادة الحيوية والنشاط لعطائنا؟! ألم يقل الله سبحانه وتعالى في التنزيل الكريم:"إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم" وكون التغيير هو سنّة الكون، فإن لم نتغير بإرادتنا فسوف نتغير مرغمين، فحتى البقاء في المكان بعصرنا هذا بات تراجعاً بل وتخلّفاً، وكذلك السير بخطى بطيئة وإن كان أفضل من المراوحة بالمكان أيضاً لا يعتبر تغييراً، كم نحن بحاجةٍ للتغيير السريع المدروس البنّاء وفق خطط ودراسات بعيداً عن التسرّع الذي ينتج عنه التخبّط والإهمال والفشل، بالتأكيد إنّ عملية التغيير ليست مسؤولية الشخص وحده، إنما تتطلب التعاون والجهد البنّاء من جميع المؤسسات بدءاً من الأسرة، والمؤسسة التربوية التعليمية بما فيها الدراسات العليا، والمؤسسة الدينية، والمؤسسات الإعلامية، والنوادي والجمعيات واللقاءات الدورية وغيرها مما له دور كبير في عملية التغيير في أسلوب البناء، للوصول للأهداف الوطنية التي يطمح جميعنا إليها.
إن عملية التغيير ليست فقط عملية تغيير الإنسان السيئ للأفضل، أيضاً تغيير الأفضل لأفضل الأفضل، وما زلنا في مجتمعنا نعتبر تغيير الشخص إهانة له ولمكانته، إن لم يكن لمرتبة أعلى بالمنظور الشخصي لدى الناس، متجاهلين أن التغيير يعطي للإنسان تجديداً ودفعاً عملياً للحياة، وتعطيه نشاطاً وحيويةً لإبداعه، فمن الضروري الابتعاد عن مفهوم التغيير السلبي النظري الذي يعتمد على المكان والصفة، متجاهلين المضمون والذي هو أساس وهدف التغيير، فلا يكفي أن نغيّر بالشكل ونترك المضمون كما هو، فما أسهل بل وأبسط أن نغيّر الأسماء واللافتات والهيكل الخارجي وحتى تغيير الأشخاص، ولكن دون أدنى تغيير في الدور أو القيم الحاكمة لعلاقات القوى والعمل المؤسساتي في المجتمع والدولة، فكم من تغيير لشخصٍ من منصب لآخر ولكن دون أي عطاء، مما يتطلّب الاعتماد على دور هذا الشخص ودراسته وما قام به من إيجابيات لهذا العمل أو ذاك والعوائق التي اعترضته لعدم تقديمه الأفضل في هذا المكان، حتى يستحق أن ينقل لمكان آخر يستفيد منه بإزالة العوائق، فمن المستحيل أن يفشل شخص بمكان، ولم يتمكن من وضع العقبات التي كانت عائقاً في طريقه، وإيجاد فرضيات محتملة للحل، أن ينجح في عملٍ آخر، لأنّه بالأصل هو لا يريد العمل يريد هذا المنصب أو ذاك المنصب، وما هدفه من تغيير المنصب لغيره إلا بهدف البقاء في سدّة المنصب، لا سدّة المسؤولية التي تتطلب منه العمل الجدي للعطاء والإبداع، فقياس الإنتاج وفق الإمكانات المتاحة والقدرات التي منحت له، لا الاكتفاء بما وصفه هو عن نفسه أو المقرّبين منه.. دون أية حقائق أو أرقام واقعية كما هي على أرض الواقع.. 
لا أحد ينكر الاضطرابات المزعجة التي يتعرّض لها الشخص أثناء عملية التغيير، وصعوبة التأقلم المباشر مع العمل، وخاصة قد اعتاد على عملٍ ما، ويحتاج الشخص لفترة بسيطة من الزمن للتعوّد على العمل الجديد، والآلية الأسهل من أجل الاستفادة من أفضل السبل لإنجاح عمله، إلا أن البعض يجد بهذا التغيير فرصة للتكاسل أكثر وعدم حب العمل، وزيادة البحث عن السبل الأمثل للراحة بعيداً عن التقديم الجديّ لما يفيد العمل والعاملين فيه.. فالتغيير إن لم يستطع إدارة الإمكانيات بنجاح فهو ليس بتغيير، وكم من التغييرات التي تحصل في البلد وقد نخالها إيجابيةً لكنّها تكون في قمة السلبية.. فالتغيير يدفع الإنسان للصدمة، وعدم التصديق لما حصل معه ويعتبر التغيير إهانة أو بسبب ذنبٍ ارتكبه أو أن أحداً ما من زملائه كتب بحقه تقريراً أو طعن به أمام المدير الأعلى وسبّب بنقله، أو قد يقبل بفتورٍ أو حماسة، حسب نفسيته وقدرته على استيعاب العمل الجديد، وكذلك دور المدير الجديد أو طاقم العمل الجديد وتقبّلهم له، واعتباره عوناً لهم ومسانداً ومساهماً لتطوير عملهم، لا اعتباره قادماً ليحتل مكان آخر أو يقاسمهم على حقوقهم.
إن عملية تغيير الساعة فرصة تأتي لتذكّرنا بتغيير ليس فقط ساعتنا البيولوجية للتأقلم مع التوقيت الجديد، بل أيضاً تغيير الكثير من خطواتنا، والكثير من أفكارنا بما لا يتعارض مع مبادئنا، وبما يساهم بالتطوير والإبداع لما نؤمن به، لنتمكن من بناء بلدنا.. كل من مكانه، وكل حسب قدرته.. بعيداً عن الانتهازية والوصولية والاتكالية، فالوطن بحاجة كل منّا للحفاظ على وحدته واستقراره وعودته آمناً مستقراً لاستكمال عملية البناء والإعمار.