كسب... بوابةٌ لكشف المسكوت عنه

كسب... بوابةٌ لكشف المسكوت عنه

تحليل وآراء

الخميس، ٣ أبريل ٢٠١٤

 عشية الذكرى المئوية الأولى للمجازر الأرمنية التي تصادف في الرابع والعشرين من نيسان، أي الشهر الجاري، يستعيد الأرمن جرحهم التاريخي الذي عاشه أجدادهم وآباؤهم على أيدي العثمانيين والأتراك، يستعيده الأولاد والأحفاد اليوم كجرح جديد نازف يعيشونه على أيدي جماعات إرهابية متطرفة بتمويل وتغطية من الأتراك. يبدو أنّ الذكرى هذا العام ستتحوّل بذاتها لاحقاً إلى ذكرى جديدة تستعيدها الأجيال المقبلة.
فالشعب الأرمني الذي تعرّض لأبشع أنواع المجازر والإبادة والتهجير، عبر مرحلتين تاريخيتين، الأولى كانت على أيدي العثمانيين، والثانية على أيدي الأتراك نزح خلالها مئات العائلات الأرمنية من مدينة كسب إلى لبنان ليشكلوا الجالية الأرمنية فيها ، ها هو اليوم يتعرّض لها مرةً ثالثةً على أيدي متطرفين إرهابيين تدعمهم وتموّلهم وتغطيهم الحكومة التركية.
حوادث كسب التي باتت تتصدّر اليوم وكالات الأنباء والمحطات الإخبارية على مستوى العالم كله، ورغم قساوتها والمعاناة الإنسانية فيها، تعكس بشكل واضح حجم الاستنفار والتحرك اللذين يقوم بهما الشعب الأرمني بمختلف أطيافه وأحزابه، وعلى المستويات كافة المحلية منها والإقليمية والدولية، لأجل الدفاع عن وجوده كشعب، وعن هويته القومية، وتأكيداً على قضيتهم التاريخية مع الأتراك.
التكاتف والتعاضد الأرمني الأرمنيان لافتان للانتباه، فالأرمن يملكون قدرة كبيرة عبر تاريخهم الطويل على الدفاع عن شخصيتهم القومية وانتمائهم، والإبقاء على قضيتهم حية برمزياتها كافة. هذا التعاضد الأرمني على مستوى العالم، والذي يُستعاد اليوم وينشط مجدداً مع حوادث كسب الراهنة، ساهم من دون شك في إثارة قضيتهم الإنسانية والدفع بها مجدّداً إلى واجهة القضايا العالمية، ويؤثر أيضاً في مواقف القوى الدولية وسياساتها المختلفة من القضية الأرمنية، وظهر ذلك جلياً في حملات التنديد المختلفة على مستوى العالم بالمجازر التي ترتكب اليوم في حق أرمن كسب ومواقف التضامن مع ما يتعرّضون له على أيدي الإرهاب التكفيري بغطاء ودعم مباشرين من قبل تركيا.
حقيقةً، إنّ هذين الدور والتعاضد المتميّزين مع القضية الأرمنية، يحسبان للأرمن ويسجلان لهم، خاصة أنّ الضجة الكبيرة المثارة اليوم من قبل الأرمن حول كسب ذات خلفيات تاريخية ولها حساسيتها الخاصة انطلاقاً من حدود تلك المنطقة المباشرة مع تركيا، مع ما يختزنه ذلك ويعنيه في الوجدان القومي الأرمني الذي يجدّد اليوم اتهامه للأتراك بالعمل على قتلهم وتهجيرهم مرة جديدة.
لكن معاناة الأرمن اليوم تفتح جروحاً لم تلتئم بعد، ليس للأرمن فحسب، بل للكثير من الأعراق والطوائف والأقليات الأخرى أيضاً. فمن المعروف أنّ المجازر التي ارتكبها العثمانيون والأتراك في حق الأرمن لم تكن الوحيدة، لأن ثمة جرائم أخرى من قتل ومجازر وإبادة وتهجير، لا تقل فظاعة وشناعة، ارتكبت في المرحلة التاريخية ذاتها، في حق أقليات وطوائف وأعراق متعددة. ومن المفارقات المؤلمة أنّ سجل الجرائم التي ارتكبها العثمانيون والأتراك في حق تلك المكوّنات الأصيلة من شعوب المنطقة سُكت عنها، ولم يتمّ التعامل معها على أي مستوى رسمي أو ثقافي أو تربوي أو غير ذلك.
إضافةً إلى ذلك، يمكن أن نلاحظ ببساطة اليوم أنّ ما تشهده كسب من ارتكابات وجرائم في حق المدنيين سبق أن شهدته مناطق أخرى مجاورة وملاصقة لكسب، مثلما حدث في العديد من قرى شمال اللاذقية. فما ينطبق على معاناة الأرمن في كسب اليوم، وعبر التاريخ الحديث والمعاصر، ينطبق على سواهم من مكوّنات الشعب السوري أيضاً.
بعد كلّ ما جرى، ألا تشكل حوادث كسب الراهنة بوابةً حقيقيةً ومدخلاً مهمّاً لفتح ملف الجرائم التي ارتكبها العثمانيون والأتراك سابقاً في حق الأرمن وبقية الأعراق والأقليات والطوائف، ويرتكبها اليوم متطرفون إرهابيون بتغطية ودعم تركيين، في حق الأعراق والأقليات والطوائف ذاتها؟
ألا يجدر بنا أن ننظم الجهود، مثلما يفعل الشعب الأرمني، وعلى المستويات كافة للإدانة التاريخية للعثمانيين والأتراك، والإدانة الراهنة للأتراك، كي يتحمّلوا مسؤوليتهم بسبب ما ارتكبوه من مجازر وإبادة إنسانية في حق العديد من الأعراق والأقليات والطوائف ويندى له جبين الإنسانية؟
أعتقد أنّ آلام الشعوب هي جزء من انتمائها إلى أوطانها، ومكوّن أصيل من وجدانها القيمي والإنساني، لذا حان الأوان لفتح ملفات الجرائم العثمانية والتركية في حق شعوب هذه المنطقة، ورفعها إلى مستوى قضية وطنية بامتياز. ولنا في تجربة إخوتنا الأرمن وخبرتهم. على هذا الصعيد ما يعزز هذه الفكرة ويساعد في البدء بها.