قوة الخير ومعرفة الشر.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

قوة الخير ومعرفة الشر.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢ أبريل ٢٠١٤

لا يصلح الخير والحق والجمال في الحياة إذا لم نضطلع بمعرفة الشر والباطل والسوء، وإن الله تعالى عندما شاء أن يخلق إبليس منبع الشر والسوء لم يشأ أن يكون تحت سلطان الموت والقتل كما يقع على البشر وإنما جاء في القرآن الكريم: (أَنظرني إلى يوم يبعثون.. قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) ثم (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين)، وقد أخبر الله تعالى عباده إنْ هم مسّهم الشيطان بسوء وشر وعذاب ألا يشغلوا أنفسهم بالقضاء عليه وبالدخول في مخاضات الباطل وتشكيلاته، فإن ذلك مضيعة لهم، وهو وهْنٌ يتلبّس قدراتهم ويضيع عليهم فُرص تخصيب الحق والخير والإحسان، فقال قال الله تعالى: (وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم) ولم يقل: العن الشيطان وحاربه وتفرغ لمواجهاته؟! بل أمَر بالرجوع إلى حصن الله والاستعانة به عزّ وجلّ، لأن صدق هذه الاستعانة والتشبث بها هي قوة كافية لإزهاق دور الشيطان حتى يصبح ضعيفاً مهما بلغ كيدُه: (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)، وصدق من قال، عرفت الشر لا للشر لكن لــ     توقّيه
ومن لا يعرف الشر من الخير         يقع فيه
وإن الإسلام حتى في ذرائع اليوم ومخاضاته الملوثة لم يقل للعاقل المؤمن دع مقولات الخير والسعي لتبنّي الحكمة والأحكام ثم تفرّغ لمواجهة الشر!!، فإن الشر بطبيعته موجود بقضاء الله تعالى حتى نهاية الحياة الكونية لا يمكن لأحدٍ أن يستأصله منها بل هو في ازدياد، ولكن الإسلام بقرآنيّته خصوصاً قال لك: قَوِّ نفسك أولاً وكن متمكناً قوياً بالخير ومفتاحاً له، أما الشر فلا تواجهه وأنت أعزل من حصانة الحق ومن عناصر بضاعته ثم حاول أن تفهمه وتدرسه من أجل أن تستطيع استيعابه واحتواءه ثم تدخل عليه لتحوله إلى خير كما حصل في نصوص جلية وحوادث رائعة في تصاريف أفعال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه المثال الجلي في ثمامة ابن أثال الذي انقلب من ساع إلى القتل والشر نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أعظم مدافع ومحب في خدمته وفي جواره، وإن الله تعالى عندما قال في السورة الأشهر (الفاتحة) خطاباً إنشائياً لجميع المؤمنين في كل تلاوة وصلاة: (إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) لم يرض لهم في هذا الخطاب أن يتشبّثوا في قلعة الذين هداهم الله تعالى وأنعم عليهم، وأن يتخذوا من المغضوب عليهم ومن الضالّين جبهات يبقونها مفتوحة للقتال والعدوان ولردات الفعل والأحقاد بل إن الله تعالى أراد لهم أن يتخذوا من منصات الهداية والإيمان والنعمة منطلقات خير وحب وعطاء وأخلاق كريمة فاضلة مع حسن التوكل على الله تعالى وقوة الإخلاص حتى تكون كلمة (غير المغضوب..) بمنهج إيجابي وبمعاني رحمة وأخلاق وعطاءات ومبادرات ومشاركات لتصبح بمفاهيم "غَيّروا المغضوب عليهم والضالين نحو الهدى والتعاون وصنع السلام وبناء الحب ونهضة الحياة"..!.
ثم إن هناك فرقاً بين معرفة ثقافة الشر وبين ممارسته أو صنعه أو تسهيل ممارسته والتعاون على الإثم والعدوان، ولن يتحقق تثقيف بالمعروف وبالأمر به عن حصانةٍ وقوةٍ إلا إذا سدّدنا تصرفاتنا وأحكمنا مشاريعنا وأعمالنا وصحة تصوراتنا عن دراية ووعي بالمنكر وبمحاذير الشر لتصحّ من ثم مفاهيم (التقوى)، ولئلّا تُستغل خيريّاتنا وطيبة قلوبنا وصفاء نوايانا في أي شيء من الحياة من مثل ما نراه عند قراءة أية وصفة طبية مهمّة من عناوين الاستطباب ومحاذير الاستطباب، وهكذا الحياة جميعها، وهو أمر لم يوجد في أي تشريع سماوي أو أرضي تقعيدٌ له، وقيود انضباط لأحكامه ولمراحل عمله كما يوجد في قواعد أصول الفقه التشريعي الإسلامي في أمثلة مشهودة على صفحات مصادرها.. (للحديث بقية)