وفي النهاية.. لماذا ابتسم اردوغان؟

وفي النهاية.. لماذا ابتسم اردوغان؟

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢ أبريل ٢٠١٤

وبالرغم من كل شيء، بقي رجب طيب اردوغان مبتسماً. لم يحصل الأخير وحزبه "العدالة والتنمية" في الإنتخابات البلدية التي جرت مؤخراً على النتيجة نفسها التي حاز عليها في الإنتخابات البرلمانية عام 2011. تراجع الحزب الحاكم، لكنه فاز في الوقت عينه متقدماً على الأحزاب المنافسة له بنسبة 45% من  أصوات المقترعين، مخالفاً بذلك توقعات كثيرين تمثلت بتراجعه إلى نسبة ما دون ال 40% من الأصوات استناداً إلى فشل سياسات الحزب الخارجية خصوصاً في ما يتعلق بخسارة الرهان على سقوط النظام في سورية، وجعل الأراضي التركية منطلقاً للمسلحين طوال الأزمة السورية المستمرة، وموطناً لكثير من المعارضين للنظام، إضافة لدعم الإخوان المسلمين في أكثر من منطقة سيما في مصر التي صُنّف فيها هذا التنظيم كتنظيم ارهابي عقب الأحداث التي تلت عزل الرئيس محمد مرسي، والأهم من ذلك فضائح الفساد التي زعزعت الإستقرار في البلاد.
اردوغان فاز ولكن..
بالنسبة لمصادر مطلعة على الشأن التركي، فإن هذه الإنتخابات التي "خرجت عن طابعها المحلي، والتي تحوّلت إلى استفتاء على حكومة اردوغان"، شكلت نوعاً من "تجديد الثقة بأردوغان وحزبه وحكومته"، لكن تلفت هذه المصادر، في حديث لموقع المنار، إلى أن "النسب المتقاربة التي حاز عليها كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري كان لافتاً، حيث حاز الأول على 47% من الأصوات في وقت حاز فيه الثاني على 42% منها لصالحه، مما دفع الأخير إلى تقديم طعن بالنتائج قائلاً إن مرشحه منصور ياواش هو الفائز في انقرة وأن عمليات تزوير حصلت"، وفي السياق، ترى هذه المصادر أن ذلك يشكل تقدماً بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري حيث أن حصوله على هذه النسبة المرتفعة من الأصوات في العاصمة "له دلالات كثيرة".
وتأثر للناخبين في بعض المناطق بالتحريض التركي ضد سورية..
كما ترى هذه المصادر أنه وبالرغم من أن هذا الفوز الذي حققه اردوغان في الإنتخابات يدل على أن "الرأي العام التركي لا يبدو متأثراً حتى الآن بتدخل الحكومة في الأزمة السورية"، إلا أن ذلك "لا ينطبق على انطاكية، المنطقة الحدودية بين سورية وتركيا والتي كانّ يراهن عليها لإثارة الفتن الطائفية بين السنة والعلويين فيها على غرار ما يجري في بعض المناطق السورية، والتي خسر فيها حزب العدالة والتنمية"، كما يتقاطع ذلك مع نتائج الإنتخابات في لواء الإسكندرون (اقليم هاتاي)، حيث تأثرت هذه المنطقة بأجواء التحريض التركي ضد سورية، حيث فاز حزب الشعب الجمهوري في تلك المنطقة بنسبة 42% من الأصوات، بعد أن فاز حزب اردوغان فيها في انتخابات 2009 بنسبة 51%.
وفي السياق، لفتت مصادر اعلامية، في اطار تقييمها لنتائج الإنتخابات المحلية في تركيا، إلى "فشل الحزب الحاكم في تحقيق أي تقدم في معاقل العلمانيين والقوميين، وفشل في أكثر المناطق الكردية"، إضافة إلى أنه "ليس للحزب أي تواجد في جميع المحافظات الساحلية بدءاً من الإسكندرون على البحر المتوسط، وصولاً إلى بحر ايجه وجميع المحافظات التركية في القسم الأوروبي من البلاد".
بالرغم من كل شيء.."العدالة والتنمية" في المقدمة: لماذا؟
يبقى السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه عقب هذا الإستحقاق الإنتخابي والذي من أبرز دلالاته ارتفاع حظوظ فوز اردوغان في الإنتخابات الرئاسية في آب/اغسطس المقبل بشكل كبير: لماذا لا زال اردوغان في المقدمة؟
بالنسبة لغرق الحكومة في الوحل السوري، فإن تداعيات ذلك لم يظهر سوى "في اوساط المثقفين والأحزاب اليسارية التي تثير هذا الموضوع بشكل كبير"، حسبما صرّحت المصادر المطلعة للموقع. وتعزو هذه المصادر عدم تأثر الرأي العام التركي بشكل عام بالسياسة الخارجية الخاطئة المتبعة من قبل الحزب الحاكم في بعض ملفات المنطقة، بعد أن روّج في بداية حكمه لسياسة "صفر مشاكل"، إلى الإنجاز الأكبر الذي استطاع هذا الحزب الحفاظ عليه بالرغم من وجود عثرات من حين لآخر: الاستقرار الإقتصادي. كما توضح المصادر نفسها أن "الرأي العام التركي يخشى الإئتلافات الحكومية، ووجود العدالة والتنمية منفرداً في الحكم اتاح جواً من الراحة لدى الأتراك والشعور بالإستقرار السياسي، فجزء كبير يخشى عودة تركيا إلى فترة الثمانينات، حيث الحكومات الإئتلافية وحيث تشكل حكومات كل ثلاثة أشهر".
أما بالنسبة لملفات الفساد التي كانت الأكثر تأثيراً على سمعة "العدالة والتنمية"، وعلى شخص زعيمه، والتي كان من أحد وجوهها الصراع القوي بينه وبين الداعية فتح الله غولن، فتؤكد المصادر المطلعة على الشأن التركي أنها "أحدثت نوعاً من الصدمة في الشارع"، لكنها تشير في الوقت عينه إلى أن رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان استطاع من خلال معرفته الكبيرة بتوجهات جمهوره "حرف الأنظار عن هذه القضايا، وتسليط الضوء على مؤامرة تهدف إلى زعزعة الإستقرار السياسي والإقتصادي الذي نجحت حكومته بتحقيقهما بشكل نسبي خلال العقد الماضي"، ويؤكد نجاح ذلك نتائج الانتخابات الأخيرة.
انطلاقاً من الحديث عن نجاح اردوغان في اقناع شعبه بمؤامرة تُحاك ضد استقراره، فإن ذلك، وبحسب عدد من المراقبين، يعكس مشكلة ما لدى خصوم اردوغان في الداخل التركي، والتي تشكل أحد أبرز أوراق القوة التي لا تزال تضع "العدالة والتنمية" في رأس الهرم السياسي. وتؤكد المصادر نفسها للموقع أن "المعارضة فشلت حتى الآن باستخدام أخطاء الحزب الحاكم لصالحها"، موضحةُ أن من أهم الأسباب التي ادّت إلى ذلك "تشتتها وعدم قدرتها حتى الآن على تشكيل تحالفات ناجعة في ما بينها، تؤهلها لمنافسة الحزب الحاكم"، لافتة إلى أن حزب الشعب الجمهوري خسر في أنقرة بفارق بسيط مع "العدالة والتنمية"، "فماذا لو كان قد شكل تحالفاً قوياً مع أحد الأحزاب المعارضة، ألم نكن قد شهدنا اختلافاً في النتائج في تلك الحالة؟".
ما بعد الفوز...
لتصريحات اردوغان عقب الانتخابات مباشرة دلالاتها الكبيرة، حيث أعلن أنه "سيدخل عرين" كل من اتهمه بالفساد، وسيجعلهم "يدفعون الثمن". وتؤكد هذه التصريحات ما قالته المصادر المطلعة عن أن هناك "مخاوف جدية من أن يصعّد اردوغان من لهجته تجاه أحزاب المعارضة، خاصة جماعة الداعية فتح الله غولن، وأن تمتد التهديدات لشخصيات معارضة بارزة تشكل حالة قلق لأردوغان، مما سيزيد من حالة الإنقسام داخل الشارع التركي". بالرغم من ذلك، فقد لفتت هذه المصادر إلى أن "اردوغان سيأخذ بعين الإعتبار أن اشهراً فقط تفصل البلاد عن الانتخابات الرئاسية"، مما قد يدفعه إلى التروي حتى انتهاء هذا الإستحقاق.
في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فهناك من يرى أن نتائج الإنتخابات "ستشكل نوعاً من الموافقة الشعبية بالنسبة للحكومة على المضي قدماً في سياساتها". لكن بعض المراقبين يعوّلون على قراءة الحزب الحاكم لنتائج الانتخابات في بعض المناطق كإقليم هاتاي وانطاكية، حيث برز الغضب الشعبي ازاء التدخل في سوري، كما من الممكن أن تشهد الأيام المقبلة تحولاً في العلاقة مع واشنطن بعد التنافر الذي حصل عقب إثارة ملفات الفساد ودعم الولايات المتحدة للداعية غولن، "وهذا الأمر من شأنه أن يرسم ماهية السياسة الخارجية للعدالة والتنمية في الفترة القادمة"، بحسب مصادر اعلامية.