الحاجة إلى حكمة في مفترق سورية الخطر - بقلم عماد فوزي الشعيبي

الحاجة إلى حكمة في مفترق سورية الخطر - بقلم عماد فوزي الشعيبي

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ أبريل ٢٠١١

تحتاج سورية اليوم إلى الحكمة بكل ما تعني هذه المفردة من معنى؛ حكمة (القول) وحكمة (الفعل). ثمة بلد فيه مشهد مختلط بشدة يتراوح بين الاحتجاج والرغبة في إحقاق الحقوق ورفع المظالم، وبين سلاح يحمله إما مرتبطون بمشروع خارجي، أو حملة مشروع طائفي (المنادون بإمارات أو بالجهاد الطائفي من على المآذن)، أو منفلتون من عقال القانون، وجمهور يخشى على بلده التقسيم الطائفي والعشائري والقبلي ... خشية الانكفاء إلى ما قبل الدولة.
مشهد أكثر تعقيداً من توصيفه إما (بالثورة) أو (بالمندسين) أو (الموالاة) أو (المعارضة)، إنه كلُ هذا ولا أيّ منه وحده. يحتاج المشهد إلى تفكيك شديد اللهجة والعمق ورصين التوجه قبل أن يكون ثمة موقف أو تحليل يُبنى على ذلك. لهذا نقول ثمة حاجة للحكمة: من الدولة ومن المثقفين ومن الشارع ... وباختصار من (الجميع)، جميع العاقلين والمسؤولين عن وطن يُراد له أن يذهب إلى المجهول. فلا القول المجروح، ولا القول الموتور ولا القول المُعبأ ... يستطيع أن يصون وطناً جريحاً. وحده القول الحكيم المسؤول المنفتح على الآخر يستطيع أن يملأ فراغاً يستحدثه اللاعقل والاستهداف معاً في لحظة تستوجب عقلاً من طراز رفيع.
المطالب التي أقرّت بها الدولة شرعية وأصبحت على نار ساخنة. وهي سترى النور قريباً، فيما أشهدت الدولة على نفسها، عندما وضعت سقفاً زمنياً لها وأنجزت بعضها بسرعة قياسية. وهنا نتفق جميعاً أن لا وقت للتأخير لأن حالة التداخل السابقة الذكر تستفيد من التأخير الذي يستند إلى عناصر قد تكون موضوعية: (عدم التسرع والحاجة الى رصانة قانونية، وإلى مطبخ متكامل للقوانين، والحذر الذي ينطلق من مصلحة الدولة العليا، وبعض التباطؤ الإنساني أو حتى المتذاكي...) ولعل الحل يكون بقطار إصلاح سريع للغاية، لا ينام القائمون عليه، فيما على من طال انتظاره أن يتمتع بحس المسؤولية العالية والصبر وأن ينزع الوِتر أو الغلّ أو التماهي النفسي بما هو حد أقصى واقتناص الفرص والطفولة السياسية... فثمة حاجة قصوى لمنع الاندراج في مواجهةٍ غير متكافئة في مجتمع فيه 19 طائفة و64 موزاييكاً، وفيه تفاوت في ميزان القوى، وللرئيس جمهوره الواسع، وأن يتم الفرز بين المطالب وبين كلِّ اعتبار شخصي.
فأحد ما يطلبه القسم الثاني في معادلة استثمار الوضع في سورية؛ ونعني الذين يشتغلون عليها وعلى تناولها خطاً ونظاماً مقاوماً، إغراق البلاد في دورة دم يستثمرها فريق دولي فرنسي - بريطاني ظاهراً وأميركي في الخطوط الخلفية، في تبادل أدوار مريب جداً، للذهاب إلى مجلس الأمن تطبيقاً لمشروع قديم - حديث يريد بلورة نظام سياسي دولي على حساب منطقتنا حيث:
1 - استبدال مبدأ السيادة بمبدأ التدخل (الإنساني!).
2 - استبدال مبدأ المقاومة بمبدأ القبول (السياسي) بواقع الحال.
لهذا، فإن مسؤولية الجميع، من الدولة إلى المواطنين (بخلاف المدفوعين أو المنفلتين من عقالهم وهم قلة) تقتضي أن يتم تجنيب البلاد تلك الدورة الخطيرة حفاظاً على استقلال دفعت الأجيال ثمنه طويلاً.
لا أستطيع أن أتخيل انتزاع سيادة بلادي.
عاصفة من القلق تجتاحني كلما فكرت بذلك.
وأعتقد أن لا وطني في سورية إلا يفهم ذلك ويشعر به. ولا أستطيع أن أقبل أو أتقبل الشعارات الطائفية التي طرحتها فئات، كبرت أو صغرت، في بعض مناطق الأزمة، فأفرزت الانتماءات ما قبل الوطنية على السطح، ولا أعتقد أن أحداً يقبلها معارضاً كان أم موالياً. وهذا هو الجامع بين طرفين هما الموالون والمعارضون الوطنيون.
وهنا يجب أن يكون العقل. عقل بارد دافئ في آنٍ. بارد يتعالى على (الأنا) وعن (الأحقاد) وعن (القوة والاستقواء)، ودافئ بقدر الحنوّ الذي تستدعيه لحظة يعيش فيها وطن خطراً يتهدد وجوده. لهذا فإن المعادلة يجب أن تكون هكذا: «إصلاح سريع من الدولة (+1) (أي معزز بما لم يطلبه حتى البعض) + ثقة من المعارضين وتمتع بالمسؤولية + الانضواء تحت القانون إحكاماً لدولة الحق والقانون (أي الفرز بين حق التظاهر ولا «حق» استخدام السلاح من المدفوعين أو الخارجين عن القانون، ولا حق استدعاء ما هو طائفي لتشظية الوطن». (وهنا يجب أن يحدث وبمنتهى المسؤولية ذلك التواطؤ التاريخي)، بالمعنى الإيجابي والمجازي للكلمة، بين السلطة والمعارضة وعموم قطاعات الشعب بما في ذلك النقابات، صيانةً لدولة الحق والقانون وفسحاً في المجال أمام انتقال سلمي نحو إصلاح يغير وجه (سورية – الوطن – الدولة).
لهذا، مطلوب من الدولة انفتاح وشفافية تجاه المعترضين – أو المعارضين وإشراكهم في المعلومات والمسؤولية، ومطلوب من الأخيرين تحمل المسؤولية على قاعدة وطنية وانتزاع الشك.
يجب أن يتعلم الجميع لغة جديدة هي لغة (التشاركية) لأن العدو واحد. والفرز أصبح واضحاً وواجباً: الدولة + المعترضون والمعارضون (في مشروع واحد إصلاحي وطني) في ضفة، وحملة السلاح والمستخدمون لدى أطراف أخرى والخارجون على القانون والطائفيون على الضفة الأخرى. لا يجب أن تُطرح لغة الضمانات. المطلوب اندراج تشاركي. ليس المطلوب (كوتات) أو اعتبارات تتأتى من ميزان القوى.
المطلوب الانفتاح على الجميع طالما أنهم مواطنون وليسوا مستأجرين. هذا الفرز أصبح ضرورة إستراتيجية - وطنية بامتياز. هنالك فئات اجتماعية غير مُسيّسة بالضرورة وهي فعلاً في (الوسط) تأخذها كلمة هنا وموقف هناك. وهي فئات كبيرة العدد. المطلوب التوجه نحوها بإعلام وطني شفاف وواضح يفتح لها صدره ويُعلمها حتى بما هو ممتنع عن الكلام به سياسياً ورسمياً في شكل معلن، ربما لاعتبارات مصلحة الدولة العليا.
يجب أن نقرّ جميـــــعاً أن النظام قد تغير في لحــــــــظة الإعلان عن قرب رفع حالة الــــــطوارئ وإقــــــــرار قانون للتظاهر وقانون للأحزاب وقانون للإعلام، لكن الحكم والخط السياسي لم يتغيرا. وهذا هو استثناؤنا وتميــــــزنا في سورية. وهو ضامن للاستقرار والاستمرارية بالدولة، وإن بوجه آخر ووسائل أخرى. لهذا علينا أن نتــــــكلم جميعاً ومن هذه اللحظة لغة نظـــــــام سياسي، كان من الشجاعة أن يصوغه رئـــــيس للبلاد هو رئيس لموالاته ولمعارضةِ الأخطاء تحت سقف وطني واحد مــــــعاً، وتـــــــقول هذه اللغة: لا للتذرير الطائفي العشائري القبلي، ونعـــــم لخط سياسي لدولة الجميع المـــــقاومة والممانعة والملتزمة القضية الفلسطينية، باعتبارها القضية المثلى، تمهيداً لقـــيامة حركة تحرر عربي شاملة وجديدة، مركزها سورية، تستفيد من مناخ المتغيرات العربية والتحول التاريخي في سورية لقيادة مشروع جديد يغير وجه المنطقة، وأساسه التشاركية والحريات والخط الممانع المقاوم ومواجهة أي تشظٍ ما قبل قومي (طائفي، عشائري، قبلي).
قادمون الى عصر آخر ولغة أخرى، والمهم أن نتعلم كيف نتداولها، والأهم أن نحفظ أمننا القومي معاً بتوافق عليه وعلى دور سورية الإقليمي والعربي، على قاعدة التشاركية وعدم العبث بالأمن القومي وعدم السماح باختراقنا عبر الديموقراطية والتعددية، بل أن نقيم تعددية لا اختراقات فيها على أساس التشاركية مرة أخرى.
المطلوب حوار وطني يستند إلى صيانة أمننا الوطني والقومي، لتكون التعددية فرصة لإغنائنا لا فرصة لتذريرنا (تحويلنا إلى ذرات مبعثرة). فلم تعد البسترة السياسية (التعقيم السياسي بالواحدية) ممكنة أو مفيدة في هذا المناخ العالمي والعربي، وليكن تعقيمنا السياسي على أساس التعددية السياسية المنشأة على توافق يصون أمننا الوطني والقومي.
قل يا أيها الوطنيون السوريون، تعالوا إلى كلمة سواء بين الجميع، فالمطلوب منّا جميعاً لغة أخرى، لغة القبول بالآخر على الطرفين، وتحمل مشترك للمسؤولية وعلى الطرفين أيضاً، وتواطؤ تاريخي (ومرة ثانية بالمعنى الإيجابي للكلمة ومن دون عقد لفظية أو عصاب لفظي) للحفاظ على موروث دولة تتخذ لغة فيها رصانة الدولة، وعدم خفتها، ولكن بنفس الوقت تقوم (بالهجرة إلى جمهورها «الشعب» الداخلي والعربي معاً)، فمن يُهاجر نحو جمهوره يُهاجر جمهوره إليه ويقف معه ويحميه ويتحمل الكثير.
المطلوب لحظة وطنية عالية المسؤولية نحمي بها بلداً مصيره في خطر جدي. لهذا أطالب بتشكيل هيئة وطنية للحوار وصيانة الأمن القومي للتوافق الوطني على صون الخط السياسي للبلاد وتحديد العدو الآني (من يعبث بأمن البلاد وبتماسكه) والاستراتيجي (إسرائيل ومن يقف وراءها) للتعاون الجمعي في مواجهة القادم. على أن يستند الحوار إلى الأسس التالية:
أ - عدم السماح بأي اختراق خارجي، وسقف الحوار هو الوطن.
ب - الحفاظ على توافق على سمت الصراع الرئيس: إسرائيل.
ج - رفض أي عبث بالتوازن الوطني الموازييكي السوري.
د - الحوار الوطني لتأسيس صورة العمل السياسي الوطني السوري على أساس قانون الأحزاب المقترح.
إن قياماً عاجلاً لهذه الهيئة سيقطع الطريق على أي كان يريد أن يعبث بمنجزاتنا التاريخية، وسيكون خطوة إلى الأمام وإصلاحاً مضاعفاً يمنع أي تقولات، وبغير هذا فإن لا سورية... بل هم يحزنون.