سورية تواجه الترك وعينها على الأميركيين في الشرق.. بقلم: د. وفيق إبراهيم

سورية تواجه الترك وعينها على الأميركيين في الشرق.. بقلم: د. وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

الجمعة، ١٥ مارس ٢٠١٩

تعرف الدولة السورية أنها قضت نهائياً على المشروع الإرهابي الذي حاول انشاء خلافة متطرفة على أراضيها في السنين الست الفائتة.
وتعرف أكثر أنها تنتقل الآن من مرحلة قتال الإرهاب الإسلاموي إلى محاربة القوى الخارجية التي تغطيه، وتواصل احتلال أراضِ سورية.
من أهم هذه القوى، الأتراك الذين يطرحون أسباباً ملفقة لمواصلة نشر قواتهم في مناطق سورية من الحدود مروراً بعفرين وإدلب إلى جانب هيمنة التنظيمات الإرهابية الموالية لها على امتدادات واسعة.
هناك أيضاً الأميركيون المدركون أن المشروع الكبير بإسقاط الدولة السورية ولىّ إلى غير رجعة.. حتى وجدوا أن تغطيتهم لهذا الإرهاب أصبحت عائقاً يحول دون استمرار دورهم، فالإرهاب خسر وخسروا معه.
وما شجّعهم على إسناد مهمة القضاء على بقايا الإرهاب في الفرات إلى قوات«قسد» الكردية المعززة بقوات أميركية ـ أوروبية، وغارات جوية متواصلة.. حتى بدا أن الهدف الأميركي أكبر من مجرد إنهاء الإرهاب بات محاصراً ومن غير اسناد أو تغطية..
ماذا يريد الترك وتمسكهم بالشمال السوري والشمال الغربي؟ وما هي الأهداف الأميركية في شرق الفرات؟ وكيف تتعامل سورية وحلفاؤها مع هذا الجزء الأخير من الأزمة السورية؟
للأتراك صلتان استراتيجيتان يحاولون استغلالها لتمتين دورهم في سورية. الأولى هي علاقتهم التاريخية بالأميركيين وحلفهم الأطلسي المنتسبين إليه.. والثانية عضويتهم إلى جانب إيران وروسيا في مؤتمر آستانا وسوتشي.. الذي يقدم نفسه آلية لتنظيم تدريجي للحل السياسي في سورية.
هناك سبب ثالث لا يقل استراتيجية، فتركيا تمتلك حدوداً واسعة مع سورية بطول لا يقل عن الألف كيلومتر ولديها مواطنون سوريون من أصول تركمانية، إلى جانب سيطرتها على«الاخوان المسلمين» السوريين الذين يشكلون مع حزب العدالة والتنمية التركي جزءاً من فدرالية الاخوان المسلمين في العالم… الأمر الذي يمنح تركيا تأثيراً شبه دائم في الأزمة السورية.. إلا أنّ المشروع الكردي في الشرق يؤرقها بشكل فعلي لاتصاله الجغرافي بنحو 15 مليون كردي تركي لديها.
بالإضافة إلى أن روسيا لا تقبل باحتلالهم أراضي سورية حتى ولو كان هدفها هو الاستفادة الحصرية من تصاعد الخلاف الأميركي ـ التركي حول المشروع الكردي المغطى أميركياً لتقريب انقرة من موسكو بمعدل أكبر.
ويحاول أردوغان إرجاء تحرير الدولة السورية لإدلب بأبداء تخوف بلاده على مصير مليوني مدني مقيمين في إدلب وفي ضواحيها ولتعقيد أكبر لهذه المشكلة يطلق اردوغان تساؤلات أن بلاده لا تعرف إلى أين يتشرّد أهل إدلب إذا هاجمهم الجيش السوري؟ مبدياً قلقه من انتقالهم إلى اوروبا!!
أما الأهداف التركية فأصبحت جلية ولا تبتعد عن السيطرة على منطقة على طول الحدود السورية قد تصل مساحتها إلى 11 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية، وتريد على المستوى السياسي اشتراك المعارضات الموالية لها من الاخوان والتركمان في المؤسسات السياسية السورية.
كيف ردت الدولة السورية؟
بدأ الجيش السوري بقصف عنيف على مواقع الإرهاب في إدلب بمواكبة غارات جوية استهدفت بدورها مواقع الأعداء والتخزين للإرهاب المتحالف مع تركيا في تلك المنطقة.
فبدأ هذا القصف على شكل رسالة سورية إلى الأتراك بأن أهدافهم في سورية لا قيمة لها عند دولتها.
والنتيجة الآن عند الحلفاء الروس، فإما أن يتواصلوا مع الأتراك حول ضرورة اخلاء إدلب من القوات التركية والتنظيمات الإرهابية المتعاونة، أو أن الجيش السوري بمعونة من حلفائه الإيرانيين والروس وحزب الله مستعدون لشن هجمات عسكرية دقيقة تؤدي إلى تحرير المدنيين في إدلب من هيمنة الإرهاب والترك معاً. وهذا موعده لم يعد بعيداً إذا لم يكن قد بدأ فعلياً.
أما بالنسبة للأميركيين فيعلمون أن المراهنة على الإرهاب سقطت. وهوى معها مشروع السيطرة على الدولة.. ما دفعهم إلى الاندفاع نحو تفتيتها بواسطة الطموح الكردي من جهة والاحلام العثمانية من جهة ثانية، لذلك دعموا هجوماً كردياً بقواتهم الجوية والبرية والأوروبية في مناطق للإرهاب منعزلة عن بعضها بعضاً في شرق الفرات.
استفاد الكردي من نقاط عدة: التباعد بين بؤر الإرهاب في شرق الفرات.. وقف عمليات دعمهم الذي كان الأميركيون يوفرونه لهم بوسائل جوية أو من خلال الحدود التركية والعراقية، انسداد طرقهم نحو غرب الفرات حيث الدولة السورية وحلفاؤها.
لكن سيطرة الأكراد على مناطق واسعة للسوريين العرب، جعلت الأميركيين يتنبّهون لصعوبة بناء كانتون كردي يُصرّون على وصوله إلى الحدود العراقية ـ السورية جنوباً، وإلا فإن لا قيمة له بالنسبة للأهداف الأميركية. باعتبار أن حصرهُ في مناطق محاذية لكردستان لا تفيد الأميركيين لأن الجهات المسيطرة على كردستان العراقية موالية لهم.. وهم يريدون كانتوناً يسيطر على الحدود مع العراق ويعرقل التنسيق العراقي ـ السوري المرتقب لذلك وجد الأميركيون حلاً لهذه المعضلة، فدمجوا بضع مئات من أبناء العشائر العربية في جنوب سورية مع قوات«قسد» الكردية، وأخذوا يروّجون في الإعلام أن قوات قسد هي سورية تدمج فريقين متحالفين: سوريون عرب وسوريون أكراد، فهذا يعطي برأيهم مشروعية سياسية لكانتون يمتد من مناطق القامشلي والشمال السوري حتى أبو كمال والحدود العراقية.
هذا ما يحض الأميركيون على التمهيد لثلاث مناطق مستقلة تبدأ بكانتون حدودي تسيطر عليه تركيا مع قوات شرطة روسية إذا قبلت بذلك موسكو. تليها منطقة أميركية ــ أوروبية تفصل الترك عن الكانتون الكردي الكبير.. هذا عن الطموح التركي وخطط الأميركيين التي تجهر بأن مشروعها الجديد لتفجير الشرق السوري، قابلة للتنفيذ سلماً أم حرباً… معتقدين حسب تحليلاتهم أن إيران ذاهبة نحو تصدع داخلي يؤدي إلى تفجيرها وإنهاء دورها، أو بواسطة حرب يقول الوزير السعودي الجبير إن السيناريو الخاص بها ينتظر التنفيذ فقط.
فهل هذا ممكن؟ اختراق الرئيس الإيراني الشيخ روحاني الحصار الأميركي على بلاده بزيارته الأخيرة للعراق هي الإجابة الساطعة على المزاعم الأميركية. وبدورها الدولة السورية لن تتوانى عن التحرير التدريجي لمناطقها المحتلة في الشمال والشرق… أليس هذا ما تفعله منذ سبع سنوات.. كما أن لروسيا مصلحة كبرى بدعم الخيارات السياسية والعسكرية للدولة السورية فالعدو الأميركي واحد، وصمود الدور الروسي العالمي يبدأ من دولة سورية محرّرة، يؤمن ميدانها العسكري ومصالح سورية أولاً وأهداف حلفائها الإقليميين فيه، مقاومة الإمبراطورية الأميركية العدوانية ثابتاً.