خيبة ترامب الكبيرة .. بقلم: فارس الجيرودي

خيبة ترامب الكبيرة .. بقلم: فارس الجيرودي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٢ مارس ٢٠١٩

«كنا نتبادل التهديدات.. ثم وقعنا في الحب»، هكذا فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ أشهر الصحفيين، في وصفه لعلاقته الشخصية برئيس كوريا الديمقراطية كيم جونغ أون، الرجل الذي قامت وسائل الإعلام الغربية بشيطنته وشن أعنف الحملات الإعلامية ضده، وهو الزعيم الذي افتتح ترامب نفسه عهده الرئاسي بتهديدات عنيفة لنظامه.
ثم إن ترامب وفي تصريحات مفاجئة أخرى، توقع مستقبلاً اقتصادياً باهراً لكوريا الديمقراطية، معتبراً أنها أكثر دولة في العالم تمتلك مؤهلات النمو الاقتصادي السريع، ليحطم ترامب بذلك كل القوالب السياسية التي اعتمدها أسلافه في البيت الأبيض، في تصريحاتهم عن البلد الشيوعي الذي تقاطعه واشنطن منذ الحرب الكورية بين عامي 1950-1953، وهي الحرب التي انتهت بتقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى شطرين، بعد أن ألقت الولايات المتحدة خلالها متفجرات تكفي ليحصل كل مواطن كوري على 2 كيلو TNT، لو تم توزيع ما ألقي من قنابل بالتساوي على مجمل الكوريين يومها.
ترامب قام برهان التقرب من كيم جونغ، أملاً منه في تحقيق مكسبين رئيسيين، الأول داخلي يخص حسابات صراعه العنيف مع مراكز القوى في الدولة الأميركية العميقة، حيث روج ترامب لنفسه عبر موقع «تويتر» باعتباره الرئيس الذي يتمتع بقدرات دبلوماسية فوق العادة، والتي بفضلها جنب أميركا حرباً نووية مع كوريا الديمقراطية.
فرغم أن بيونغ يانغ لم يسبق لها أن بدأت بتهديد الولايات المتحدة، بل هي من كانت في الواقع تتلقى أعنف التهديدات بمسحها من على الخريطة من قبل المسؤولين الأميركيين، إلا أن معظم نتائج استطلاعات الرأي التي تجريها بشكل دوري وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأميركية على الرأي العام الداخلي، تضع كوريا الديمقراطية في مقدمة الأخطار الخارجية التي تهدد الأمن القومي الأميركي.
بالطبع تعود هذه النتيجة لحملات «البروباغندا» المكثفة التي تقوم بها وسائل الإعلام الأميركية ضد ذلك البلد، لكن ترامب بالنتيجة قرر الاستفادة من كل ذلك وراهن على اتفاق مع كيم جونغ ينتهي بنزع سلاحه النووي، ليقدم الاتفاق للرأي العام الأميركي كإنجاز تاريخي لإدارته.
المكسب الثاني الذي طمع ترامب بالحصول عليه من خلال مغازلة كوريا الديمقراطية وإغرائها بالنمو الاقتصادي، هو جر ذلك البلد إلى صفه بمواجهة الصين البلد الذي تحدث ترامب كثيراً في حملته الانتخابية عن الأخطار التي تمثلها على الاقتصادي الأميركي، وبدأ عهده بشن أكبر حرب تجارية ضد شركاتها ومنتجاتها، فبالنسبة لبكين المحاصرة بطوق من البلدان التي تستضيف قواعد أميركية، كوريا الديمقراطية تعتبر قضية أمن قومي، حيث ظلت الصين تمد لها شريان الحياة عبر الحدود التي تفصلها عنها، في وقت قاطعها الغرب فيه، ولم تعترف بها الأمم المتحدة كبلد مستقل إلا بعد قيامها الفعلي بنحو أربعين عاماً.
لكن وبالنتيجة وبعد سفره لمدة 20 ساعة من الطيران إلى فيتنام، أملاً منه في توقيع اتفاقٍ يؤمن نزع أسلحة كوريا الديمقراطية، لم يستطع ترامب إلا أن يطأطئ رأسه كمداً وقهراً بسبب إخفاق القمة، التي اختصرت مراسمها المعلنة، فلم تنته لا بغداء مشترك ولا بتوقيع أي اتفاق، ويبدو أن خطأ ترامب التاريخي الذي يدفع ثمنه اليوم في مفاوضاته الكورية، ليس سوى انسحابه الأهوج المتغطرس من طرف واحد من الاتفاق النووي مع إيران، حيث كان ذلك الانسحاب دليلاً قاطعاً على أن أي اتفاق مع واشنطن لا يساوي في ميزان العلاقات الدولية حتى قيمة الحبر الذي كتب به.
فبدلاً من الاستجابة لإغراءات واشنطن الاقتصادية، استغل الرئيس الكوري اندفاع ترامب نحو تحقيق اتفاق تاريخي، ففتح كيم جونغ أون باب التسوية مع واشنطن، ثم أغلقه فجأة على أصابع ترامب، ليلقنه درساً لن ينساه طوال حياته، وليسجل نقاطاً في رصيده الشعبي الداخلي، بعد أن أهان الرئيس الأكثر غطرسةً في تاريخ الولايات المتحدة، وليبرهن للصين أن استثمارها في تنمية اقتصاد جارتها الكورية، التي تعاني ظروفاً اقتصادية صعبة بسبب الحصار الأميركي، أكثر جدوى من المراهنة على تجنب مواجهة آتية لا محالة مع واشنطن.
الوطن