لماذا وعلى ماذا يكافأ الأردن؟!.. بقلم: أحمد ضيف اللـه

لماذا وعلى ماذا يكافأ الأردن؟!.. بقلم: أحمد ضيف اللـه

تحليل وآراء

الأحد، ١٠ مارس ٢٠١٩

في ظل انهماك القوى النيابية العراقية في مناقشة موازنة العراق المالية لعام 2019 لإقرارها، وانشغالها في استكمال التشكيلة الحكومية المتعثرة التي لم تنته بعد حتى اليوم، كان هناك حراك سريع ومتلاحق للمملكة الأردنية الهاشمية باتجاه العراق، ففي الـ29 من كانون الأول 2018، قام رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز بزيارة إلى بغداد مترأساً وفداً وزارياً كبيراً، مجرياً مباحثات واسّعة مع الجانب العراقي لزيادة حجم التبادل التجاري، والاتفاق على إنشاء أنبوب لنقل النفط إلى الأردن، ورفع مستوى التعاون في مجالات الصناعة والاستثمار وغيرها، أدت بنتيجتها إلى توقيع اتفاقية اقتصادية بين البلدين شملت مجالات عدة.
تلا ذلك زيارة قام بها الملك الأردني عبد اللـه الثاني إلى بغداد في الـ14 من كانون الثاني 2019 لتعزيز ما اتفق عليه رئيس وزرائه الذي زار بغداد قبله ببضعة أيام، وفي الـ27 من الشهر ذاته أجرى وفد أردني رفيع المستوى ضم 7 وزراء زيارة رسمية إلى بغداد استغرقت عدة أيام برئاسة نائب رئيس الوزراء الأردني رجاني المعشر لوضع جداول زمنية تنفيذية لما تم الاتفاق عليه بين الطرفين، وفي الـ2 من شباط الماضي عقد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي مع نظيره الأردني عمر الرزاز اجتماعاً عند خط الحدود العراقية الأردنية المشتركة بحضور وفدين رفيعي المستوى من الجانبين لـ«وضع اتفاق التعاون وتبادل المصالح بين البلدين حيز التنفيذ وافتتاح المنطقة الصناعية المشتركة وتنفيذ محضر الاتفاق المشترك الموقع في بغداد بتاريخ 29 كانون الأول 2018 بحسب بيان مكتب عادل عبد المهدي، حيث عَبرت معبر طريبيل الحدودي بضع شاحنات.
لقد أثارت الاتفاقية التي تم توقيعها بين العراق والأردن انتقادات شديدة، وخاصة فيما يتعلق بمد أنبوب نفطي يمتّد من البصرة مروراً بمنطقة حديثة ومن ثم إلى ميناء العقبة، وتزويد الأردن بـ10 آلاف برميل من نفط خام كركوك بأسعار تفضيلية مخفضة، إضافة إلى إعفاء قائمة من 371 سلعة أردنية من الرسوم الجمركية، تناولها نواب عراقيون كثر في بيانات وتصريحات لهم، ففي بيان له في الـ3 من شباط الماضي، قال النائب عن تحالف البناء منصور البعيجي: «أستغرب من قيام الحكومة العراقية بإعفاء بضائع الأردن الداخلة إلى العراق من الرسوم الجمركية»، مشيراً إلى أن «الحكومة العراقية اتخذت قرارات لا يمكن لمجلس النواب أن يسمح بها كمد أنبوب نفطي إلى الأردن وتصدير النفط بأسعار مخفضة وإعفاء بضائعهم، وما المغزى والفائدة من قرارات كهذه والمستفيد الوحيد منها الجانب الأردني فقط، لن نقبل بقرارات كهذه تضر بالمصلحة العامة للبلد والشعب العراقي مقابل استفادة للجانب الأردني الذي لم نرَ منه خيراً منذ سقوط النظام البائد إلى يومنا هذا».
كذلك قال عضو لجنة النفط والطاقة النيابية بهاء الدين النوري في حديث لـ«السومرية نيوز» في الـ3 من شباط الماضي: إن «ما تضمنته الاتفاقية هو عملية تدمير للاقتصاد العراقي ولا يمكن السماح بها وسيكون لنا موقف حازم وقوي في التصدي لها داخل مجلس النواب سواء بتعديلها أو إلغائها بشكل كامل»، على حين تساءل النائب حسن سالم في بيان له في الـ5 من شباط الماضي: «عجبت لحكومة تجوع شعبها لينتعش اقتصاد الأردن وإسرائيل»، متسائلاً: «ما الحكمة من إعفاء 371 سلعة أردنية من الرسوم الجمركية الداخلة إلى العراق»، مضيفاً إن «هناك أيادي خارجية وداخلية منتفعة من هذه الاتفاقية التي لم يجن منها البلد سوى تدمير اقتصاده». وفي تصريح لصحيفة «المدى» في الـ27 من شباط الماضي، قال أحمد عبد الحسين عضو مجلس محافظة البصرة رئيس اللجنة القانونية في المجلس: إن المجلس قدم طعناً «بمذكرة التفاهم القائمة بين الأردن والعراق بشأن رفع التعرفة الجمركية عن 400 مادة»، لافتاً إلى أن «هذه الإجراءات والتسهيلات ستضر موانئنا ومنافذنا الحدودية».
بالمقابل، قال أياد علاوي رئيس ائتلاف الوطنية خلال حديث في «برنامج العاشرة» الذي عرض على شاشة «قناة المملكة» في الـ4 من شباط الماضي: إن «ظروفاً ودولاً إقليمية تحاول إبعاد العراق عن الجو العربي، وفي مقدمة تلك الدول إيران، كانت هناك محاولات للتشكيك في العلاقة ومحاولات لإيقاف العلاقة مع الأردن، ما زلنا نسمع أصواتاً في العراق ضد التكامل بين الأردن والعراق»، معتبراً أن «الاتفاقية الموقعة بين العراق والأردن جيدة»، رغم أنها جاءت «متأخرة» لكنها «تمثل خطوة إلى الأمام».
أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الـ3 من شباط الجاري، أنه «لدينا قاعدة عسكرية رائعة وغالية التكلفة في العراق، وهي مناسبة جداً لمراقبة الوضع في جميع أجزاء منطقة الشرق الأوسط المضطربة، وهذا أفضل من الانسحاب»، والذي جاء متواقتاً مع الإعلان عن الاتفاقية الأردنية العراقية دفع بالمواقف الرافضة لهذا الاتفاق إلى الخلف مانحة تصريح ترامب الأولوية في المواجهة، كما ساهمت عطلة المجلس النيابي التي بدأت في الـ26 من كانون الثاني 2019 في تأجيل مواجهة هذا الاتفاق الذي ما هدأت منصات وسائل التواصل الاجتماعي في انتقاده لا من زاوية المساوئ الاقتصادية والمالية بحق العراق فحسب، بل من زاوية دور الأردن التآمري والتخريبي في العراق وسورية وفلسطين.
فعلى ماذا ولماذا يكافأ الأردن؟! أعلى احتضانه وحمايته لشيوخ بعض العشائر الذين بايعوا داعش وقدموا المال والسلاح والمقاتلين له ومن ثم فروا مع آخرين إلى الأردن، معتبرين أعمال داعش «ثورة شعبية إسلامية»! أم على تسهيل ورعاية المؤتمرات التآمرية العديدة على العراق التي جرت في أفخم فنادق العاصمة عمان لإسقاط العملية السياسية؟ أم على وضع صور رموز العراق الدينية والسياسية على أرض مداخل حمامات بعض الجوامع الأردنية للدوس عليها لإثارة الغرائز الطائفية من دون خجل؟ أم على تسهيله عبور الانتحاريين باتجاه العراق الذين تسببوا باستشهاد الآلاف من الأبرياء، والذين احتفلت عائلاتهم بأعمالهم الإجرامية متقبلين التبريكات في عمان وأربد والزرقاء وغيرها من المناطق الأردنية من دون أن يمنع ذلك، أو حتى إلزام وسائل الإعلام الأردنية بتجاهل تغطية ذلك احتراماً للدم العراقي المسفوك، بل العكس قام الملك الأردني ذاته بزيارة الصحيفة التي أجرت لقاءات مع عائلة المجرم الإرهابي رائد منصور البنا واصفة إياه بـ«الشهيد البطل»، وهو من مدينة السلط بعد ثلاثة أيام من المقابلة، الذي تسبب انتحاره في مدينة الحلة باستشهاد 125 وإصابة 150 عراقياً. ولم يُفهم حتى اليوم المعنى من زيارة الملك، هل هي زيارة دعم للجريدة، أم استهتار بمواقف العراقيين وحكومتهم الذين استنكروا سلوك الأردن تجاه العملية الإرهابية والاحتفالات التي رافقت ذلك في مدينة السلط.
إن منح أي دولة تسهيلات أو أي حوافز اقتصادية مميزة هو إقرار بالمعروف وتقديراً للدور الذي لعبته هذه الدولة في مساندة العراق ودعمه في مواجهة موجات الإرهاب التي تعرض لها، وما قامت به لتخفيف أوجاعه ومآسيه.
التآمر الأردني على العراق، ليس فريداً وغريباً، فغرف «الموك» التي كانت تدير أعمال القتل والتخريب في سورية من الأردن بإدارة أميركية وفرنسية وبريطانية وأردنية وبعض دول الخليج وإسرائيل، هي عنوان آخر للمملكة.
أليس من المستغرب ألا تتضمن البيانات المرافقة للزيارات الأردنية كلها أي إشارة إلى الإرهاب ومكافحته؟ ولماذا يتحرك الأردن الآن مدعياً أنه يمد جسور التعاون مع العراق؟ وأين كانت تلك الجسور حين كان العراق يتعرض لصفحات دامية من الإرهاب؟ وما الدور الايجابي الذي لعبه الأردن في التصدي للتحريض الطائفي تجاه العراقيين؟
أنا لا أدعو إلى مقاطعة أي بلد عربي اقتصادياً، ولا أتمنى ذلك، ولكني أتساءل على ماذا ولماذا يكافأ الأردن رغم المآسي التي سببها لدول الجوار؟
ربما حكومات الدول قادرة على تجاوز ذلك لأسباب تعيها، لكن شعبنا في العراق وسورية من ضحايا الإرهاب، من الصعب أن ينسى من حرض وسهل قتل أطفاله ورجاله ونساءه من دون ذنب، ومع كل ذلك احذروا من الدور الأردني في تسهيل تسويق البضائع الإسرائيلية في المنطقة والأسواق العراقية.