هل بدأنا...؟.. بقلم: سامر يحيى

هل بدأنا...؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ١٠ مارس ٢٠١٩

طلبت سفينة أمريكية عملاقة في عام 1995 من جسم عائم التحرّك /15/ درجة جنوباً لمنع الاصطدام به، فجاءها بالجواب بأنّ السلطات الكندية لم تفهم الطلب وترجو من السفينة تغيير خطّة سيرها /180/ درجة، لكنّ أصرت السفينة الأمريكية بعنجهية فرض رأيها على الجسم المقابل، إلى أن جاءها الجواب بأنّه حقل بترولي عائم، لكن كان الوقت قد نفذ ولا يمكن التغيير وحصلت كارثة اصطدام السفينة البحرية بحقل البترول العائم.
هذا يدعو الإدارة للتفكير البنّاء قبيل البدء بأي عمل كي لا تصطدم بجدارٍ أنّى كان نوعه، وأن تضع نصب أعينها كل احتمالات الفشل والنجاح وتحقيق التوازن بين رغبات وتطلّعات وحقوق وواجبات وإمكانيات المؤسسة، وبين رغبات وتطلعات وحقوق وواجبات جمهورها، آخذةً بعين الاعتبار الإمكانيات والموارد والاعتراضات والتحديّات والمعوقات التي قد تواجهها وطرق التعامل معها، لا سيّما:
1ـ فهم البيئة المحيطة، والمجتمع الذي تتعامل معه ...إلخ.  
2ـ تقديم الذات بشكلٍ مفهومٍ وواضح موازنةً بين المهام والتطلّعات والإمكانات.
3ـ المعرفة بمنتجات وخدمات المؤسسة وما يريده الآخرون منها.
5ـ إدراك حقوق وواجبات المؤسسة، وحقوق وواجبات جمهورها.
6ـ معرفة المؤسسات المنافسة أو المتعاونة أو المتعارضة أو المتقاطعة.
فعلى الإدارة أن تبدأ بالتفاعل الحيوي والمبني على أسس وقواعد، بعيداً عن التنظير غير المجدي، والتصريحات التي يستغلّها البعض للإساءة للمؤسسة، وعدم الاستهزاء أو التقليل من قدرة الجمهور على فهم ما تصدر من قرارات، والعمل الجاد لتحقيق متطلّبات المؤسسة والأهداف انطلاقاً من المعطيات والبيانات والصلاحيات المعطاة لها، والامتثال لتوجيهات قائد الوطن لا سيّما قول سيادته :"إن مكافحة الفساد تأتي أيضاً عبر تبسيط وتسهيل المعاملات والإجراءات اليومية التي يحتاجها المواطن هذه الاجراءات التي تفتح الباب للفساد على نطاق ضيق، ولكنّه منتشر بشكل واسع ويؤثّر بشكل مباشر" وتوجيه سيادته "على كل وزارة أن تبحث أين لها علاقة مباشرة مع المواطن وأن تقوم بعملية جرد لكل هذه المعاملات، ومن ثم تقترح إجراءات لتسهيل هذه المعاملة وتضع حدوداً واضحة لواجبات وحقوق المواطن وللموظف الذي سيقوم بها أيضا"، وبكل تأكيد يشمل ذلك كل أنواع الإدارة أنّى كانت طبيعة عملها ونوعيته والخدمات التي تقدّمها.
عند ذلك نستطيع القول بأنّ المؤسسات بدأت بالعمل الحيوي الفعّال بتعاضد وتعاون كافّة أبنائها، لأنّه من غير المنطقي ولا الوطني أن يقول المسؤول إنه لا يمكن إرضاء المواطن، ولا خلق قانون لكل شخصٍ على انفراد، ولا يفهم كل ما نصدره أو نتصرّف به حتى يحصد النتائج، فهل عجزت مؤسساتنا عن وضع المواطن ـ الذي أثبت للعالم كلّه قدرته على التأقلم والعطاء والإبداع والإنتاج في أحلك الظروف ـ بالصورة الحقيقية لدوره وواجباته وحقوقه تجاه مؤسساته ووطنه، وبالتالي يتفاعل معها ويتقبّل كل ما يصدر عنها ويتفهّم طبيعة عملها، كما أنّنا عند التفكير السليم والنقاش والحوار البناء نستطيع تحقيق العدالة ويصل كل مواطنٍ لحقّه.
إن أولى واجبات الإدارة التفكير بالمناخ الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي إلى ما هنالك مما يحيط بالمواطن، وبالتالي لن تعجز وقتها عن اتخاذ القرار السليم، بعيداً عن الحاجة لاستثناء أو تعديل أو تغيير بعد فترة إلا للأفضل ونتيجة التطوّرات الحاصلة على المستوى التقني والاستثماري، ويتقنع المواطن بصحّة قراراتنا. والتساؤل الهام الذي يجب أن يضعه كل مدير بحسبانه، أليس الموظّف الذي هو على احتكاك مع المواطن قادر على توصيف العثرات والنجاحات، الإيجابيات والسلبيات، العقبات والتسهيلات، التحديات والاعتراضات، أكثر من المدير الجالس وراء مكتبه، التي عادةً ما تنطلق قراراته من زاوية رؤية وحيدة وتقارير يكتبها أشخاص مهما اتّسموا بالنزاهة ستكون لديهم رؤيتهم الشخصية، بينما المؤسسات الحكومية وطنية قائمة بحدٍ ذاتها لإدارة موارد البلد كل ضمن تخصصه، والعمل بالحد الأقصى لتحقيق الرضا والعدالة لكل أبناء الوطن.
صحيح أن كل مواطن لديه فهم مجتمعي وثقافة تختلف من مجتمعٍ لآخر، ومن بيئة لأخرى، جبلية أم ساحلية أم داخلية...إلخ، وكذلك المواطن الذي ينشأ في بيئة فقيرة غير الذي ينشأ في بيئة غنية أو متوسّطة، وكلٌ لديه رؤية ورغبات ووجهة نظر وطموح، بينما المؤسسة الحكومية تملك المعطيات والبيانات والمدخلات التي تساعدها على اتخاذ القرار المناسب، ووضع الرؤى القابلة للتطبيق بكل المجالات مهما اختلفت الظروف والأوضاع وكانت التحديّات والمعوقات، بدءاً من توزيع موارد الطاقة والمواد المدعومة، وليس انتهاءً بالاستثمار ضمن الإمكانيات المتاحة والموارد المادية والبشرية المتوفّرة والاحتياجات المطلوبة.
وهل يدرك المدير مهما علا شأنه أنّه لا يعبّر عن رأيه ولا رؤيته، وإن كان لهما دور، إنّما يتكلّم باسم مؤسسته ومركزه، وهذا سر الاختلاف بين المسؤول قبل وأثناء وبعد المنصب، فمن المفترض وهو في سدّة المسؤولية مطلّعاً على البيانات والمعطيات والتحديات التي تواجه عمل مؤسسته مما يجعل تصريحه معبّراً عن المؤسسة، مستكملاً كل الأركان لو حقق التعاون والتفاعل بينه وبين أبناء مؤسسته دون استثناء، بدءاً من الدائرة العريضة وصولاً للقيادات العليا بالمؤسسة، بما يؤهله للموازنة بين مؤسسته وجمهورها، لا سيّما أن الكثير منا وأحياناً أبناء المؤسسة نفسها، لا يدرك حجم الضغوط والأعباء الملقاة عليها، والجهود التي تبذلها والإنجازات التي تحققها رغم الظروف المحيطة، وهنا يلقي مسؤولية كبرى على المسؤولين من أجل البحث عن أفضل السبل المقنعة بعيداً عن الإعلان والتصريحات المعسولة الخلّبية التي توسّع الفجوة بين المواطن والمؤسسة، بل أن يكون المواطن والمؤسسة على تعاون وتبادل تامٍ للمعلومة والخبرات والإمكانيات يساهم في تضييق الخناق على مكامن الخطأ والثغرات التي يتسلل منها الفساد، ويساهم في دعم ومساندة المؤسسة في القيام بواجباتها على أكمل وجه، وهذا بكل تأكيد لا يتعارض مع خصوصية وطبيعة وسرية عمل كل مؤسسة.
والناحية التي يجب التركيز عليها هي التعاون والتعاضد بين المؤسسات جميعاً لدراسة أي موضوع، فكلٌ منها لها دورها والمهام المنوطة بها، ما دامت جميعها تخضع لقوانين الجمهورية العربية السورية، وتحت مظّلة الموازنة العامة للدولة وتساهم بشكلٍ أو بآخر بخدمة الوطن والمواطن، وتساعد على اتخاذ القرار السليم والقضاء على الهدر وضغط النفقات بشكلٍ حقيقي وكسب الوقت والجهد.
فهل بدأنا الالتزام الجديّ بتوجيهات قائد الوطن، عبر المراجعة الدورية لكل كلماته وتوجيهاته، ووضعها نصب أعيننا لقيام كل منا بدوره وواجباته، التي هي السبيل الوحيد لإرضاء كل مواطنٍ وتحقيق العدالة بين جميع أبناء الوطن، والنهوض بسوريتنا للمكان الذي تستحق وستصل إليه رغم أنف الحاقدين والأعداء، وأوفياءً لدماء شهدائنا وعرق وتضحيات أخوتنا في الجيش العربي السوري.