معاني فتح معبر نصيب ـ جابر..بقلم: محمد شريف الجيوسي

معاني فتح معبر نصيب ـ جابر..بقلم: محمد شريف الجيوسي

تحليل وآراء

الخميس، ١٨ أكتوبر ٢٠١٨

سُرّ الشعب الأردني خلال هذا العام مرتين، أولاهما بتمكّن الجيش السوري من تحرير جنوب سورية من عصابات الإرهاب على اختلاف مسمّياتها بعد نحو 42 شهراً من الإفساد في الأرض ونشر الخراب.

والمرة الثانية بفتح معبر نصيب ـ جابر، نتيجة تحريره، والذي يعتبر بمثابة الشريان التاجي للأردنيين اقتصادياً وسياحياً ومعنوياً واجتماعياً، حيث يصدّر منتجاته منه وبخاصة الزراعية إلى سورية ولبنان وأوروبا وروسيا وغيرها… ومن سورية يتسوّق الأردنيون يومياً احتياجاتهم المميّزة بجودتها واعتدال أسعارها وقربها جغرافياً ويقضون بعض وقت استجمام وراحة، ومنهم من يزور أقرباء وأنسباء وأصدقاء وزملاء دراسة.

وبهذا المعنى، أتوجه بالتهنئة للشعب الأردني بفتح المعبر كما سبق وهنأته بتحرير الجنوب، فتحرير الجنوب السوري حقق أمرين، فمن جهة أبعد خطر تمدّد العصابات الإرهابية الى الأردن وغيره، وقد سبق أن نفذت هذه العصابات عدة عمليات تخريب وقتل وممارسات تمسّ الأمن الوطني في الأردن، ومن جهة أخرى أفسح التحرير المجال أمام فتح المعبر كما رأينا.

فسورية تعتبر السوق شبه الرئيسة للمنتج الزراعي الأردني يأتي بعدها العراق وفي ظلّ إغلاق المعبرين تضرّر المزارع الأردني الى حدّ كبير، ووقع نحو 20 ألف مزارع تحت وطأة قضايا تنفيذ قضائي.

إنّ لتحرير جنوب سورية وفتح المعبر معاني كثيرة، لعلّ منها إسقاط الأوكار التي انطلقت منها المؤامرة على الدولة الوطنية السورية… والتي تبدّت في حرق المحكمة والأحوال المدنية، ما يعني أنّ هناك أيادي خارجية أرادت أن تعبث بالمواطنة السورية وتزوير الجنسية لإدخال غير سوريين الى الجنوب.. لكن تحرير الجنوب لم يكن كله قتالاً، فحواضن الإرهاب لم تعد كذلك، والعديد من السوريين تصالحوا مع الدولة وعادوا إلى حضن الوطن، ما سهّل تحرير الجنوب، وبقي المتطرفون وغير السوريين فتمّ نقلهم إلى الشمال، تمهيداً للتصفية الكبرى.

لقد حال انتصار سورية وصمودها في وجه المؤامرة الكونية والحصار الإقتصادي والسياسي والديبلوماسي، بدعم من القوى الحليفة والصديقة والرديفة، دون تمدّد الإرهاب إلى خارج حدودها، بل وأسهمت في تحقيق معادلة توازن عالمية جديدة، وعرّى الإدارات الأميركية وكشف الحبل السري الذي يربط بين الإرهاب والرجعية العربية والصهيونية وعواصم الاستعمار القديمة بخاصة منها لندن وباريس وبون.

وبدا العالم أكثر تمحوراً، وإنْ لم ينته الفرز بعد، لكنه في طريقه للتشكل على غير صعيد.

كان الميزان التجاري بين الأردن وسورية في التسعينات والعقد الأول من الألفية الثالثة يميل لصالح سورية، لكن كانت نسبة ازدياد الصادرات الأردنية إلى سورية سنوياً أكبر منها من ازدياد الصادرات السورية الى الأردن، وكانت الصناعات القطنية والأعمال اليدوية والفواكة المجففة والأقماح السورية في الأردن ذات سمعة طيبة.. وكان الآلاف من الأردنيين يتوجهون إلى سورية بشكل يومي فيما عرف بعضهم بـ «البحارة» من منطقة شمالي الأردن للتبضع لغايات التجارة، فيما البعض الآخر من المواطنين الأردنيين كانوا يتوجهون بشكل منتظم للسياحة والاستجمام والتبضّع حيث قرب المسافة وجودة المنتج واعتدال الأسعار وحسن المعاملة.

وكانت السياحة في الأردن تعتمد على فتح المعبر، فالسائح الخليجي كان يزور الأردن لليلتين أو 3 ليال ثم يتوجه إلى سورية ليقضي أسبوعاً على الأقلّ ثم يتوجه للبنان ليقضي عدة أيام ثم يقفل راجعاً.. وبإغلاق المعبر أغلق هذا النوع من السياحة.

ولا بدّ أنّ سورية الآمنة المستقرة الممتلكة لقرارها السيادي المستقلّ كما كانت قبل الحرب العدوانية عليها والحصار، مدخل المنطقة إلى الاستقرار، الذي لا يمكن تحققه دونها، بل والذي سيهيّئ المنطقة إلى معادلات سياسية جديدة لصالح شعوبها، بعد إلحاق هزيمة منكرة بالإرهاب ومن يقف خلفه، بل وإلحاق الهزيمة بالمراهنات على إسقاط الدولة الوطنية السورية وما يعنيه هذا الإسقاط لو نجح من صعود شرائح أكثر تبعية وعمالة للأجنبي وتسخير ثقافات ومقدرات المنطقة وشعوبها له.

ولن يقتصر فتح الحدود مع سورية ومع العراق قريباً على الجوانب الاقتصادية بل على نتائجها على السياسات الأمنية والداخلية، حيث ستتكرّس مصلحة الأردن مع سورية والعراق بدلاً من الخليج المرتهنة مصالحه في أغلبه بالغرب، ما يخدم الشعب الأردني، بخاصة عندما يتبدّى انّ سورية الممسكة بقرارها المستقلّ السيادي غير المرتهن للغرب ولمؤسسات رأس المال العالمية من بنك وصندوق نقد دوليين استطاع الخروج من نتائج وتداعيات الحرب، فيما دول تعاني من أزماتها دون حرب بحكم ارتباطاتها المقيّدة لحركتها وقرارها المستقلّ السيادي وتحكم شرائح الفساد فيها التابعة للخارج بها.

إنّ إنجاز تحرير الجنوب السوري الذي اختار المتآمرون أن تبدأ منه المؤامرة، يحمل معاني ومغازي مهمة، وسيمكن من إنجاز معركة الشمال وبعدها شرق الفرات، رغم كلّ المناورات الأمريكية التركية، وبالتالي فتح كلّ المعابر العراقية السورية، ما سيعزز التيار الوطني في العراق بعيداً عن الضغوط الأميركية والسعودية، كما سيعزز الإرادة الشعبية في الأردن، ويؤكد أنّ أكلاف الصمود مهما تعاظمت تبقى أقلّ من الإستسلام للأجنبي.

يبقى التنويه بأنّ تحرير الجنوب وفتح المعبر أسقط موضوعياً فعالية غرفة الموك في الأردن، لكن استمرار وجودها يسيء لوجه الأردن الرسمي ويعرقل استعادة ألق العلاقات الأردنية السورية ومسح صفحات سوداء من الذاكرة ورفع التمثيل الديبلوماسي وعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم وهو كما نعلم مطلب معظمهم. علماً أنّ الشارع الشعبي الأردني بما يضمّ من أحزاب قومية ويسارية ونقابات وقوى مجتمع مدني وشخصيات وطنية، عبّر مراراً بكلّ أشكال التعبير عن رفضه المطلق لوجود غرفة الموك ولأيّ دور أردني رسمي أو تدخل ضدّ سورية.