أنقرة وواشنطن.. من يحتاج من؟.. بقلم: تحسين الحلبي

أنقرة وواشنطن.. من يحتاج من؟.. بقلم: تحسين الحلبي

تحليل وآراء

الخميس، ٧ يونيو ٢٠١٨

احتل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أهمية رئيسية في إستراتيجية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عام 2009 حين زار إسطنبول، وكرّسه بشكل واضح مرجعية للقيادة السياسية الإسلامية وخصوصاً في دائرة «الإخوان المسلمين» في المنطقة، وهذا ما ثبت حين جرى الكشف في وسائل الإعلام الأميركية عن «الدراسة التوجيهية الرئاسية» الأميركية التي صدرت عن أوباما عام 2010 برقم 10 المعروفة اختصاراً بـPDS، وهي تعليمات رئاسية بهدف إعداد دول كثيرة في المنطقة لتسليم الحكم فيها للإسلاميين من إخوان وغير إخوان.
وهذا ما جرى في مصر حين انتخب الرئيس المصري السابق محمد مرسي وتمتنت العلاقة بينه وبين أردوغان في كل المجالات، وما جرى في تونس يوم أصبحت حركة النهضة الإسلامية التونسية التي أسسها راشد الغنوشي أكبر أحزاب تونس في البرلمان، وما خطط له أن يجري في سورية وليبيا والجزائر واليمن والعراق.
لكن ما الذي جرى بعد ثماني سنوات على هذه العلاقة الأميركية مع أردوغان وفشل المخطط في سورية والعراق ومصر وتونس والجزائر؟ وما درجة الاتفاق بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأردوغان؟
أطلق وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيليرسون على ما بلغته العلاقات التركية الأميركية من مظاهر الخلاف في شباط الماضي اسم «نقطة أزمة» فهل تعود الأسباب إلى عدم توازن في توزيع الأدوار بين الجانبين، أم إن هذه الأزمة مرشحة للوصول إلى مفترق طرق تتسع مسافته سنة تلو أخرى إذا بقيت مظاهر هذا الخلاف وخصوصاً حول سورية في دائرة «نقطة الأزمة»؟ فهذا يتطلب وجود لجنة مشتركة لإنهاء الأزمة أو تضييق هوامشها بانتظار تلاشيها أو انتقالها إلى درجة تفوق مظاهر الأزمة.
لكن ما تنقله أخبار العلاقات بين الجانبين يشير إلى استمرار «العلاقة الجيدة» بينهما خصوصاً بعد الاجتماع الذي عقده وزير الخارجية الأميركي الجديد ماك بومبيو في واشنطن مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو والوصف الذي أطلقه بومبيو على العلاقات بين الجانبين: «أنها تحافظ على روحها الجيدة»، لكن ذلك كله لا يغير من حقيقة أن أردوغان ينتهج سياسة يخلط فيها جميع التناقضات تجاه واشنطن وموسكو، فهو يطلب شراء بطارية صواريخ إس 400 من روسيا، وفي الوقت نفسه سيبدأ باستلام أول طائرات أميركية حربية حديثة من نوع إف 35 بعد شهر تقريباً، بعد أن أعدتها واشنطن له قبل أسبوع ودربت اثنين من الطيارين على هذا النوع من الطائرات التي سيستكمل استلامها حتى نهاية عام 2019، وبدأ عدد من أعضاء الكونغرس يثيرون انتقاداً يحتجون فيه على تسليم أردوغان هذا النوع من الطائرات الحديثة الأميركية ويخشون اطلاع روسيا أو إيران على تقنياتها من تركيا.
يقول الموظف السابق في وزارة الدفاع الأميركية مايكيل روبين إنه قدم شهادة أثناء وجوده في منصبه عام 2010 للجنة الكونغرس المختصة دون أن يرحب بتسليم هذه الطائرات لتركيا لكن الصفقة جرى التصديق عليها من الرئيس.
وكانت الحجة التي يستند إليها المعارضون لهذه الصفقة التي يبلغ عدد الطائرات فيها 100، أن أردوغان يريد بناء دولة إسلامية ويتوسع فيها بالمنطقة، وقد يجعله ذلك يثير أخطاراً على إسرائيل، لكن وسائل الإعلام لم تتحدث حتى الآن في إسرائيل ولا في واشنطن عن حملة إسرائيلية ضد هذه الصفقة! والمعروف أن إسرائيل ترصد كل صفقات الأسلحة التي تتعاقد فيها واشنطن مع دول حليفة في المنطقة وتعلن عن اعتراضها في بعض المناسبات.
يلاحظ الكثيرون من المتابعين للمواضيع التركية في المنطقة أن أنقرة في عهد أردوغان لم تعد هي نفسها التي كانت في عهد ما قبل سيطرة حزبه على الحكم، فقد انخفضت مستويات السياسة العلمانية في تركيا وبدأت تزحف فيها سياسة إسلاموية منذ عام 2002 حين استلم أردوغان الحكم ومن دون أن تتعرض علاقاتها مع إسرائيل لأي تراجع، بل إن أردوغان زار إسرائيل في عهد رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون ودعاه إلى زيارة أنقرة، إلى أن وقع الهجوم الإسرائيلي العسكري عام 2010 على سفينة المساعدة التركية «مرمرة» وقتل تسعة من المواطنين الأتراك فيها وهو الذي فرض أزمة على العلاقات بين الجانبين، وبعد عام 2016 استعادت العلاقات طبيعتها بإعادة سفيري الدولتين بوساطة الرئيس أوباما.
بقيت واشنطن تؤكد حاجتها لأنقرة في المنطقة في عهد الرئيس دونالد ترامب عام 2017 في ظل قواعد لعبة جديدة ومحسوبة النتائج يتاح فيها لأردوغان توظيف علاقاته في أكثر من دولة من دون أن يمس المصالح الإستراتيجية الأميركية، فعلاقاته مع موسكو وطهران لم تمس مصالحه الإستراتيجية مع إسرائيل ولا مع الولايات المتحدة، وما دامت السياسة التي ينتهجها بقيت ضمن هذه الدائرة الحساسة فلا حرج عليه مع حلف الأطلسي ولا مع واشنطن ولا مع تل أبيب، لكن هذه السياسة ستظل محكومة بظروف قابلة للتغير بزمن لا يمكن أن يطول كثيراً، فأردوغان يلعب الآن في الوقت المستقطع بعد تأكد هزيمة فريقه وفريق واشنطن.