خطة السبهان: شقّ صفوف «المستقبل».. بقلم: إبراهيم الأمين

خطة السبهان: شقّ صفوف «المستقبل».. بقلم: إبراهيم الأمين

تحليل وآراء

السبت، ١١ نوفمبر ٢٠١٧

لم يكتفِ السعوديون بإهمال كل المطالب اللبنانية والعربية والدولية بإطلاق رئيس الحكومة سعد الحريري، بل بدأوا حملة جديدة لفرض بهاء الحريري زعيماً بديلاً. ويبدو أن وسيلة الضغط المركزية انتقلت من محاولة إقناع العائلة وتيار «المستقبل» الى العمل على جزء من الجمهور، بالتزامن مع العمل على إحداث شرخ داخل الفريق السياسي للرئيس الحريري، سواء على صعيد الكتلة النيابية أو على صعيد القيادات السياسية والناشطين، وصولاً الى المجال الاعلامي.
وبقي وزير الحرب السعودي على لبنان ثامر السبهان في حالة استنفار وتواصل مع عدد كبير من الشخصيات اللبنانية، بمعاونة القائم بالاعمال السعودي في بيروت وليد البخاري الذي باشر في الساعات الـ36 الماضية بتوجيه دعوات لشخصيات وجموع من المناطق لزيارة السفارة في بيروت ومبايعة المملكة وخياراتها، فيما ينشط الوزير أشرف ريفي وقيادات من «أيتام 14 آذار» لخلق مناسبة لتحرك شبابي أو شعبي في بيروت.
الغضب السعودي من البيان الصادر عن كتلة «المستقبل» النيابية أول من امس، دفع بالجانب السعودي، بحسب مصادر، الى إعادة الحريري الى مكان توقيفه السابق في مجمع «ريتز كارلتون». ولكن مقرّبين من رئيس الحكومة أكدوا، في المقابل، أنه لا يزال في منزله في الرياض، لكن مع تشديد الاجراءات الامنية حوله وإقفال الطرق المؤدية اليه. وقال هؤلاء إن لقاءات عائلية كانت مقررة مع الحريري ألغيت في اللحظة الاخيرة.
وفي بيروت، واصل السبهان، عبر معاونه البخاري، الضغط عبر التواصل مع «مفاتيح شعبية»، بالتعاون مع الوزير السابق أشرف ريفي، لتنظيم وقفات شعبية تدعم السعودية، سواء في الحملة على إيران وحزب الله أو على صعيد مبايعة بهاء.

وذكرت مصادر خاصة لـ«الأخبار» أن البخاري بدأ منذ مدة لقاءات مع وجهاء العشائر العربية، وأنه طلب بعد الأزمة من هؤلاء حشد وفود لزيارة السفارة السعودية في بيروت تأييداً لـ«الخيارات السعودية الحكيمة». وكشفت المصادر أن موظفين في السفارة السعودية نشطوا خلال اليومين الماضيين على خط التواصل مع وجهاء العشائر في البقاع والشمال لتثبيت زيارة السفارة السعودية اليوم، والإدلاء بتصريحات تدعم قرار مبايعة بهاء الحريري.

وقالت المصادر إن بعض هؤلاء اتصل بقيادات في تيار «المستقبل» لإبلاغهم بنيتهم تلبية الدعوة، إلا أنهم سمعوا تمنيات بعدم التورط في هذا الامر، ما أدى الى بلبلة بين أركان العشائر، قبل أن يتم التوصل الى حل لا يغضب السعودية: أن يزور الوجهاء الموالون للحريري دار الفتوى قبيل التوجه الى مبنى السفارة للإيحاء بأنهم مبعوثون من قبل تيار المستقبل. أما القسم الآخر، فاختار الذهاب رأساً إلى السفارة بعدما رأوا في ذلك فرصة لتمتين العلاقة مع السعودية، لا سيما أن هؤلاء يقدمون أنفسهم بديلاً من «المستقبل»، ليس لجهة الحشد الشعبي فقط، بل حتى للقيام بأدوار أخرى.
وكان لافتاً أمس، أيضاً، المساعي الحثيثية لإقناع بعض وجهاء عشائر «عرب خلدة» بالمشاركة في هذه الزيارات، وسط تحذيرات أمنية لبعض المدعوين من القيام بأدوار تخريبية، لا سيما بعدما كرر أنصار السبهان أن طرقات حزب الله في لبنان ستقطع جنوباً وبقاعاً. وعلمت «الأخبار» أن عدداً كبيراً من وجهاء العشائر في خلدة والبقاع والشمال امتنعوا عن تلبية الدعوة بطلب من مسؤولين في تيار المستقبل.
وفي السياق نفسه، عمل فريق السبهان على رجال الدين والجمعيات الدينية، وكان لافتاً التزام غالبية أئمة المساجد بتعليمات دار الفتوى لعدم إثارة الملف السجالي في خطب الجمعة، ما عدا مفتي الشمال مالك الشعار الذي بدا أقرب الى خطاب ريفي لناحية الحديث عن الاستقالة وكأنها أكيدة ومناقشة بنودها الخلافية. وهي وجهة يراد لها أن تتخذ الطابع الشمالي، مع تولّي كلّ من مصطفى علوش ومعين المرعبي وأحمد فتفت الخطاب التصعيدي، وحجة بعضهم أن ريفي سيقود الشارع الى المواجهة، علماً بأن الامور لا تتعلق بهذا الجانب، بل باعتراضات لدى هؤلاء على ما يعتبرونه قراراً مسبقاً بعدم ترشيحهم من جديد للانتخابات النيابية المقبلة.
وذكرت المصادر أن قيادة «المستقبل» تلقّت في المقابل طلبات من أنصارها في عكار وعرسال والطريق الجديدة وصيدا، بتنظيم تحركات شعبية تطالب بعودة الحريري الى بيروت. ولكن يبدو أن الموقف عند قيادة التيار يقضي بعدم الذهاب نحو هذه التحركات في هذه المرحلة.
الاستياء السعودي من مواقف رئيس الجمهورية وبقية القيادات الرسمية، فاقمه الفشل في إحداث خرق حقيقي في صفوف تيار «المستقبل» نفسه، رغم أن بعض المعترضين على سياسة الحريري (كالرئيس فؤاد السنيورة والنائب أحمد فتفت) حاولوا في الايام الاولى للإقالة إلقاء اللوم على نادر الحريري والوزيرين نهاد المشنوق وغطاس خوري، باعتبارهم أسهموا في وضع أساس التسوية السياسية. وكشفت مصادر مطلعة أن السنيورة عاد وأكد التزامه الرأي الراجح في التيار بإعطاء الاولوية لعودة الحريري الى بيروت، بعدما حاول ليل أول من أمس التنصّل من البيان الذي تلاه عقب اجتماع الكتلة النيابية والمكتب السياسي للتيار.
وعلم أن بيت الوسط شهد، قبل الاجتماع، مناقشات حادة دفعت نادر الحريري الى رفع صوته في كثير من الاحيان. وأدى تدخل النائبة بهية الحريري الى احتواء مواقف بعض المعترضين، قبل حسم الموقف بالاتفاق على أن الأساس هو عودة الرئيس الحريري الى بيروت، وعدم بتّ أي أمر آخر، بما في ذلك الطلب السعودي بمبايعة بهاء الحريري زعيماً للعائلة والتيار. وقد عُمّم ذلك لاحقاً على بقية القيادات في التيار. وكان هناك جهد خاص على صعيد الناشطين في التيار وفي فريق 14 آذار، بعدما تبين أن المستشار السابق في رئاسة الحكومة الدكتور رضوان السيد، القريب من السنيورة، يعمل مع النائب السابق فارس سعيد على تحقيق برنامج السبهان، والضغط لتبنّي بيان الاستقالة المنسوب الى الحريري وتقديمه على أي أمر آخر، ومنع تعطيل زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى الرياض.
ويبدو أن أكثر ما يقلق تيار «المستقبل» هو الدور الذي تلعبه «القوات اللبنانية»، إذ يتّهم مستقبليون جعجع بأنه قد يكون جزءاً من المؤامرة على الحريري، وأنه كان على علم بخطة استقالة الحكومة، وهو حاول فرض رأيه بالتعامل معها على أساس أنها ثابتة، ورفض المشاركة في الحملة التي تطالب بعودة الحريري فوراً الى لبنان. وقالت المصادر إن المؤسف «أن جعجع ينتقم من الحريري بينما مشكلته مع الرئيس عون والتيار الوطني الحر». وحذرت من خطورة السير خلف دعوات «القوات» الى خوض معركة سياسية من دون التوقف عند مصير الحريري. لكن قيادة «المستقبل» ليست الآن في وارد فتح سجال مع «القوات» التي تلقّت انطباعات سلبية من ناشطين وقواعد من أنصار الحريري، وصولاً الى قول أحد نواب المستقبل: «آخر ما كنا نتوقعه هو أن يقف التيار الوطني وحزب الله الى جانبنا، وأن تخذلنا القوات بعدم السؤال عن مصير زعيمنا!».
وفي هذا السياق، يبدو أن المساعي نجحت في التخفيف من حدة بعض الإعلاميين البارزين في فريق «المستقبل»، وفي مقدمهم النائب عقاب صقر الذي فقد ثقة غالبية قيادات «المستقبل»، ويتّهمه بعضهم بأنه على تواصل دائم مع السبهان، وأن الأخير يسهّل لصقر التواصل مع الحريري، علماً بأن صقر نفسه حاول تعديل لهجته في مداخلة طلب إليه الإدلاء بها أول من أمس، عبر شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، واقترح فيها مخارج للأزمة مع السعودية، من دون الإقرار بأن الحريري مقيّد الحركة هناك. وترجمت الإجراءات أيضاً في ابتعاد شخصيات من التيار عن الشاشات خلال اليومين الماضيين، مقابل إظهار ملامح موقف من موضوع بهاء الحريري، عبر مانشيت جريدة «المستقبل» أمس (الأمر لك)، والذي أريد منه رسالة حاسمة.
السبهان يتغلغل في الإعلام اللبناني

بالتوازي مع حملته السياسية والميدانية، يقود وزير الحرب السعودي ثامر السبهان ورجاله مهمة تطويع الواقع الإعلامي، إذ تتدفق الإغراءات على وسائل إعلام مكتوبة ومرئية ومسموعة وإلكترونية، لتأييد الموقف السعودي. ويعرض فريق السبهان خيارات كثيرة لضمان موقف القيّمين على تلك الوسائل، حتى إنه يراعي من يقول إنه لا يريد أن يواجه آل الحريري، فيطلب منهم التركيز على الحملة ضد الرئيس ميشال عون وحزب الله. وهو مارس ضغوطاً كبيرة على محطة «أم تي في» التي امتنعت ــ بطلب سعودي ــ عن بثّ خطاب السيد حسن نصرالله عصر أمس، بينما كانت المؤسسة اللبنانية للإرسال تعاني من أمر آخر، بعدما فرض السبهان ضيفين على حلقة «كلام الناس»، أول من أمس، وتبيّن أنه كان يتواصل مع الضيفين على الهاتف خلال الحلقة. ويبدو أن الضغط نجح في منع حصول مواجهة معهما، في الوقت الذي تذرعت فيه إدارة القناة أمام العاملين فيها بأن الأمر يعود الى ضغوط مالية، علماً بأن رجال السبهان أمضوا يوم أمس في البحث عن الجهة التي تقف خلف «الكليب الغنائي» الذي عرض في برنامج «كلام الناس» ويدعو الى عودة الحريري الى بيروت.
وعلم لاحقاً أن شركة «شويري غروب»، الوكيل الإعلاني الحصري لقناة «أل بي سي»، كما لوسائل إعلامية أخرى في بيروت، قررت وقف الدفعات الشهرية المستحقة في ذمتها، ريثما تنجلي صورة الموقف في السعودية، وسط تعاظم الخشية من إلغاء عقدها مع أمبراطورية «أم بي سي» الإعلامية السعودية. وقالت مصادر إن بيار الشويري، مدير الشركة، يتّكل الآن على جهود قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع لعدم شموله بالتحقيقات الجارية مع مالك «أم بي سي»، وليد الإبراهيم، الموقوف في الرياض منذ السبت الماضي، مع الإشارة الى أن الشويري يمتنع منذ الاسبوع الماضي عن زيارة الرياض خشية توقيفه، بعدما سرّبت معلومات عن أن اسمه وارد في لائحة «ترقّب الوصول» التي تتضمن أسماء من يطلب اليهم مراجعة الجهات الامنية والقضائية لدى وصولهم الى السعودية، علماً بأن مديراً في «أم بي سي» أبلغ متصلين به في الرياض أنه لم يطرأ أي تعديل على قواعد العمل مع الوكيل الإعلاني بعد توقيف الإبراهيم.
وقد عمد الشويري الى إبلاغ وسائل إعلامية محلية بقرار وقف الدعم المالي في هذه الفترة، ما جعل بعضها، ومن بينها المؤسسة اللبنانية للإرسال، يبحث في دفع نصف راتب عن هذا الشهر بانتظار معالجة الأزمة، الأمر الذي فهمه عاملون بأنه ضغط للعمل بوحي مطالب السبهان الذي يجهد لعقد صفقات مع مواقع إلكترونية إخبارية في بيروت، ومع مجموعات تطلق حملة مدفوعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار الدفاع عن السعودية بوجه إيران وحزب الله.