«بــــــازار» أنقـــــرة.. بقلم: أنس وهيب الكردي

«بــــــازار» أنقـــــرة.. بقلم: أنس وهيب الكردي

تحليل وآراء

الخميس، ٩ نوفمبر ٢٠١٧

من المؤكد أن المسؤولين الأتراك يفركون أيديهم من الفرح وهم يتابعون بسرور تصاعد التوتر الإقليمي إلى مستوى غير مسبوق على الإطلاق.
فلم يبدأ بعد البازار الإقليمي حول شراء ود أنقرة، أو على الأقل حيادها حيال العداء السعودي الإيراني المنفلت من عقاله، حتى رطبت الرياض موقفها حيال قطر، وأومأت اتجاه تركيا إيماءة صداقة مفاجئة.
لتركيا مهارة خاصة في افتتاح «البازارات» حول مواقفها، وإذا كان من الصحيح أن مصطفى كمال أتاتورك أنقذ الأتراك من التقسيم والاحتلال بفضل جرأته وبراعته العسكرية، لكن من الأصح أن مهارته في نسج علاقات مع الاتحاد السوفييتي الضعيف لموازنة بريطانيا وفرنسا المحتلتين في سورية والعراق، هو ما مكنه من تحصين استقلال أنقرة الدولي.
وقف أتاتورك نفسه وراء دعم ثورة إبراهيم هنانو في الشمال ضد المحتلين الفرنسيين، قبل أن يترك ثورة الشمال أمام جحافل المحتلين، وأخذ هو مقابل ذلك اعترافا فرنسيا بدولته الناشئة على أنقاض الدولة العثمانية، بل إن الزعيم التركي التاريخي افتتح البازار مع الفرنسيين بشأن لواء اسكندرون، وبالفعل، دخلت القوات التركية أراضي اللواء في أواخر عهده، بالرغم من أنه لم يعمر لحصد النتائج الكاملة لبازاره، وربما لو عمّر أتاتورك أكثر لكان مد بازاره مع الفرنسيين إلى حلب، وافتتح بازاراً جديداً مع البريطانيين حول الموصل وكركوك!
بعد ثمانية عقود، برع آخر خلفاء أتاتورك، الرئيس رجب طيب أردوغان، في افتتاح بازارات مع القوى الإقليمية والدولية حول دعم أنقرة، فتلاعب بعلاقات تركيا مع روسيا والولايات المتحدة في سبيل تعزيز مكانته على الساحة الإقليمية، ولحجز موقع متقدم له في «عملية إعادة الهيكلة الجارية في الشرق الأوسط».
قدم أردوغان عملية «درع الفرات» صيف عام 2016 الماضي، بوصفها حملة من حملات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش، إلا أنها كانت في الحقيقة ضربة للخطط الأميركية بدعم من روسيا، وبعد أن حطم مشروع بناء «ممر كردي» على الحدود الجنوبية لتركيا عبر دعم مسلحي «درع الفرات» في اقتطاع شريط بري ما بين جرابلس وإعزاز والباب، قاطعاً بذلك أي إمكانية على ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية لمد سيطرتها من منبج إلى عفرين، فتح أردوغان بازاراً جديداً على بيع ورقة جبهة النصرة، التي شكلت «هيئة تحرير الشام»، في إدلب، والثمن هو رأس «وحدات الحماية» في عفرين وتل رفعت، وبلور الرئيس التركي صفقته في ربيع العام الجاري، وأول الأمر طرحها على الأميركيين الذين رفضوها من دون تردد، وكذلك على الروس الذين لم يفضلوها كثيراً.
خلال الجولة الخامسة من محادثات أستانا التي عقدت بعد فترة قليلة من اتفاق الزعيمين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في مدنية هامبورغ الألمانية على إقامة «منطقة تخفيف توتر» في جنوب غرب سورية، أحيا أردوغان عرضه، ولكن الروس أو الإيرانيين لم يفضلوا العرض التركي.
ثم صب توتر العلاقات الروسية الأمريكية، والتوتر الخليجي الخليجي، ومخاوف أنقرة وطهران من خطط رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني من وراء تنظيم استفتاء على الاستقلال في الإقليم، في صالح تركيا، التي أعاد رئيسها طرح صفقته: «النصرة» مقابل «وحدات الحماية»، بصيغة جديدة على شريكتي بلاده في عملية أستانا روسيا وإيران، هي: تحييد «النصرة» في إدلب مقابل تحييد «وحدات الحماية» في عفرين وتل رفعت.
وبينما كان أردوغان يكثف انتقاداته لواشنطن على خلفية دعمها لميليشيا «وحدات الحماية»، حافظ على علاقات دافئة مع «صديقه» بوتين، لكن الأبرز كان اندفاع الرئيس التركي في طريق تعزيز التقارب مع إيران والذي بلغ مستوى غير مسبوق عندما استقبلت أنقرة رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني الجنرال محمد باقري، وجاء متوازياً مع تدهور علاقات تركيا مع السعودية على خلفية الأزمة القطرية.
ونكاية بالموقف التركي من أزمة قطر، ألقت السعودية بثقلها خلف ميليشيا «وحدات الحماية» في سورية، ووصل الأمر بالرياض حد إرسال وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان برفقة مبعوث الرئيس الأميركي إلى التحالف الدولي بريت ماكغوك إلى مدينة الرقة بعد طرد تنظيم داعش منها، حيث تولى تأمين الزيارة عناصر «وحدات الحماية»، في رسالة استفزازية لأنقرة.
هذه المواجهة السعودية التركية شارفت على نهايتها مع إقالة الرياض لسعد الحريري من رئاسة الحكومة اللبنانية، حيث أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن بلاده لم تعد تركز على القضية القطرية وأنها باتت صغيرة جداً على جدول الأعمال السعودي المشغول بقضايا إيران واليمن وسورية، بينما غازل سفير السعودية في تركيا وليد بن عبد الكريم الخريجي، قبل ثلاثة أيام، أنقرة معتبراً أن مصلحة البلدين الإستراتيجية تتطلب تكثيف التعاون وتعزيز العلاقات فيما بينهما، لاسيما في ظل الظروف الإقليمية المضطربة، للوقوف معاً في وجه مختلف التحديات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، وبما يمكنهما من نزع فتيل الأزمات وأسباب الصراع في الشرق الأوسط.
هكذا، افتتحت السعودية سباقاً على نيل رضا أنقرة، سباقاً لن تلبث أن تلحقها إليها إيران، بينما يستعد أردوغان لطلب ثمن أعلى لبضاعة قديمة لم تجد من يشتريها سابقاً، ويتهافت الآن المشترون عليها!
الوطن