إيران… شكراً أميركا على ما جنيتُه من أخطائك

إيران… شكراً أميركا على ما جنيتُه من أخطائك

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٧

 بعد سقوط الموصل – العاصمة العراقية غير المعلنة – سقطت العاصمة السورية لـ «داعش» وانتهت معركة الرقة بدمارٍ شبه كامل للمدينة السورية الشمالية الشرقية. وقد نفذت الطائرات الأميركية نحو 4 آلاف غارة قتلتْ فيها 1925 مدنياً و262 «داعشياً» واستسلم نحو 462 من «داعش» وغادر نحو 300 آخرين مع عائلاتهم في حافلات أقلّتْهم نحو مناطق سيطرة التنظيم شرق نهر الفرات.
إلا أن أميركا لا تبدي أي نية للانسحاب من شمال شرقي سورية على الرغم من تقدم الجيش السوري نحو آخر مدينة لا يزال يحتلّها «داعش» في البوكمال – القائم على الحدود السورية – العراقية، بعدما استعادت دمشق وحلفاؤها السيطرة على مدينة الميادين. فهل ترى واشنطن مصلحة لبقائها؟
سقط حكم «كردستان العراق» على يد الحكومة المركزية في بغداد التي رفضتْ الاستفتاء الكردي المنادي بالاستقلال وأرسل رئيس الوزراء حيدر العبادي القوات الأمنية لاستعادة كل الأراضي والمدن والمعابر التي سيطرت عليها قوات البيشمركة التابعة للزعيم الكردي مسعود بارزاني مستغلّةً احتلال «داعش» للمناطق الشمالية العراقية.
ولم يفاجئ العبادي المجتمع الدولي بسرعة إرساله القوات الأمنية إلى داخل مدينة كركوك بل فاجأ أيضاً المرجعية في النجف التي علمت بنيات الحكومة المركزية استعادة هيبتها وبسْط سلطتها على العراق حسب ما ينصّ عليه الدستور، كما تفاجأتْ بجرأة العبادي وتصميمه وقراره غير المتردد، هو الذي لم يتعوّد خلال سنوات حكمه على اتخاذ قرارات حازمة على الصعيد الداخلي العراقي ومحاربة الفساد وبسْط سلطة الدولة.
والعبادي أوقف مشروع تقسيم العراق ومعه تقسيم سورية. وبالتالي فقد حشر رئيس الوزراء العراقي القادة الأميركيين في الزاوية: فأميركا لا تريد خسارة العراق (الحكومة المركزية) لأن إيران وروسيا بالانتظار للانقضاض على أميركا في العراق وإخراجها اذا ضربتْ (سياسياً) الحكومة المركزية وسلطتها. وأميركا لا تريد خسارة كردستان لأنها «الولد المدلّل» الذي ربّته منذ العام 1991 أيام حرب الخليج. إلا أن أميركا – بسبب مصالحها الأمنية والاقتصادية – فضّلتْ ترْك هذا «الولد» المتمثل بمسعود بارزاني وتخلّت عنه لأنها تتفاخر بمبدأ: لا أصدقاء لنا ولكن مصالح فقط.
غير أن ضربة العبادي وصل صداها الى سورية حيث أعلنت دمشق على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم ان صبرها قد ينفد مع أكراد سورية إذا اختبأوا خلف الحماية الأميركية باقترابهم نحو آبار النفط في دير الزور والميادين التي تحتلها «داعش» والتي يحاول الأكراد سباق الجيش السوري اليها تحت غطاء الدعم العسكري الأميركي.
وبخسارة أكراد العراق – الذين جعلوا من أنفسهم وقود تجربة لتقسيم الشرق الأوسط – «دولتهم»، لم يعد لأكراد سورية أي حظ بإنشاء «روج آفا» التي لن تقبل بها تركيا ولا سورية ولا إيران ولا العراق، وهي الدول المعنية بأي خلل في المنطقة من شأنه تفتيتها من جديد وذلك لتواجد أكثر من 25 مليون كردي في المنطقة يحلمون بإنشاء دولتهم.
وإذا أرادت أميركا التلطي خلف عذر «القضاء على الإرهاب»، فان سورية وحلفاءها (إيران وحزب الله) هم المعنيون مباشرة بالقضاء على التنظيمات الإرهابية في سورية وفي العراق لأن بقاء هؤلاء في بلاد الشام أو في بلاد ما بين النهرين يشكل خطراً على الدولتين المتجاورتين بحدود صحراوية طويلة، ويشكل الفكر التكفيري خطراً ايديولوجياً على سورية والعراق ولبنان حيث تتواجد بيئة تستطيع أن تمثّل ملجأ لهؤلاء ليستعيدوا قواهم ويصبحوا أخطر من قبل بعد تَراكُم خبراتهم ليتعلموا من أخطائهم السابقة.
أما روسيا فهي أيضاً تعاني من الفكر التكفيري ولا سيما أن الآلاف من الناطقين باللغة الروسية قاتلوا مع هذه التنظيمات ويستطيعون تشكيل خطر حقيقي على أمن روسيا القومي. ولذلك فإن المصالح قد التقت وأَنتجتْ تصميماً عراقياً – سورياً – لبنانياً (حزب الله) – روسياً على إنهاء التنظيمات التكفيرية (القاعدة وداعش) والقضاء عليها مرة واحدة، حتى ولو بقي الفكر حياً في بعض النفوس، على قاعدة أن الإرهاب لا يموت، إلا أن جذوره واحتلاله للأرض وللموارد المالية يمكن القضاء عليه.
* الولايات المتحدة ساعدتْها لبسط سيطرتها في الشرق الأوسط… فهل تُغادر سورية؟
وفي ما خص أميركا، فإن حالها أفضل من القارة الاوروبية التي تتواجد على تماس مباشر مع الفكر المتطرف. وكما قال محلّلوها، فإن لا مصلحة لواشنطن في القضاء على «داعش» و«القاعدة» لأن هؤلاء لا يشكلون خطراً مباشراً عليها بل هو وقود ضروري لإبقاء إيران و«حزب الله» (وروسيا) منشغلين بالقتال. إلا أن هؤلاء المحللين ضربوا بعرض الحائط الخطر التكفيري على أوروبا ولم يبالوا به لأن القارة الاميركية بعيدة ولأن المصلحة الأميركية تأتي دائماً فوق كل المصالح.
إلا أن أميركا أتتْ لسورية تحت غطاء «محاربة داعش»: بعد أكثر من سنة ونصف السنة من تَدخُّل طائرات واشنطن وحلفائها لم يتأثر اقتصاد «داعش» الذي اعتمد على النفط ولم تمسّه أميركا، في حين أن التدخل الروسي أجبرها على تغيير سياستها، وبدأت بالحرب الموْضعية على «داعش» بإنقاذ عين العرب (كوباني) ومن ثم بإنشاء مطارات ومعسكرات في الشمال الشرقي السوري. وبدأت أميركا تُنافس وتُسابِق روسيا والجيش السوري للسيطرة على منابع الطاقة في البادية والشمال السوري. إلا أن سورية وإيران وروسيا سبقوها وأغلقوا الطريق عليها في البادية لتُبقي واشنطن قواتَها في معبر التنف المعزول تقريباً وفي مناطق الحسكة وريف الرقة ومدينتها وأرياف دير الزور. واليوم يسيطر «داعش» على 10 في المئة من الأراضي السورية، وتتقدّم القوات السورية وحلفاؤها نحو البوكمال – القائم لاستعادة آخر معاقل التنظيم الأساسية. وبالتالي فإن أميركا أمام موقف واضح: بقاؤها في سورية وفي الشمال الشرقي لم يعد ضمن محاربة إطار الإرهاب بل احتلال للأرض وبالتالي خارج شرعية بنود الأمم المتحدة التي تعطيها الإذن بمحاربة الارهاب وإعلان نفسها محتلّة أو مغادرة سورية.
نعم إن الإرهاب لا ينتهي وسيَضرب في الشرق الأوسط مثلما يضرب في الدول الأوروبية والأميركية ولو بوتيرة أقلّ. إلا ان هذا لا يعطي صلاحية لكل دولة بإرسال جنودها وإنشاء قواعد عسكرية لمحاربته. وهكذا تجد أميركا نفسها في موقع يسمح للمقاومة السورية بضرْبها إذا لم تنسحب، وفي موقف محرج داخل بقعة من الأرض (الحسكة) لا مستقبل لها ويعاديها كل محيطها من دون استثناء: تركيا لن ترضى بالـ YPG (وهو جزء من الـ PKK المحارب لتركيا والمنادي بالاستقلال)، وقد قسمت «روج آفا» الى قسمين ومنعت الحسكة من الانضمام الى عفرين من أقصى الشمال الشرقي الى الشمال الغربي.
لن تقبل سورية ولا العراق بإعطاء الأكراد استقلالهم داخل الأراضي السورية وهؤلاء يحاصرون الحسكة شرقاً وجنوباً. وبحصار الأكراد السوريين تُحاصَر معها أميركا التي ستبقى في بقعة معزولة معرّضة للضرب من الداخل لأن لسورية وايران و«حزب الله» «أصدقاء» يعملون داخل المنطقة الكردية.
لقد أصبحت أميركا في موقف يُستغنى عنها في العراق لأن الجيش العراقي أثبت أنه الأفضل في محاربة «داعش» وتَقبُّل الخسائر ومنْع التقسيم. وأثبت العبادي قوته السياسية بمنع إراقة دماء عراقيين بطريقة تعامله مع الأكراد الانفصاليين. كما أصبحت واشنطن في موقف يُستغنى عنها في سورية لأن وجودها أصبح احتلالاً لا مبرر له ويعرّضها لما تعرّضتْ له في لبنان العام 1983.
وربحتْ إيران في العراق لأن تقسيم البلاد فشل ولأن الجيش العراقي استعاد عافيته وهو يتمتّع بأسلحة قوية وعقيدة صلبة ويُعتبر جيشاً صديقاً – بفضل إزاحة أميركا صدام حسين – وكذلك القيادة السياسية. وقد استفادت طهران من حركة مسعود بارزاني الانفصالية لجهة المسارعة الى دعم كل مواقف بغداد وقفْل الحدود الجوية والبرية ما أعاد الثقة بين العبادي وإيران.
وربحتْ طهران في سورية بتواجدها العلني وإنشاء قوة محلية تتمتّع بنفس عقيدة «الحرس الثوري» الإيراني، ومستعدّة للمطالبة باستعادة الجولان المحتلّ. لقد تمسكت سورية أكثر من قبل بـ «محور الممانعة» ولا سيما أنه انتصر على المحور الآخر الذي استثمر وموّل 6 سنوات من الحرب وخسر. واليوم تتمتع دمشق بجيش أقوى بكثير مما قبل العام 2011.
وربح حليف إيران – (حزب الله) – الذي أصبحتْ لديه مخازن أسلحة مفتوحة تبدأ من لبنان وتنتهي في العراق. وقد دُفع «حزب الله» الى خارج منطقة العمل التي اعتاد التواجد فيها ليعمل في مساحة عمليات عسكرية ويستعيد أكثر من خمس مرات حجم لبنان. وبالتالي لن يجرؤ أحد في لبنان على التصدي له لسنوات طويلة مقبلة.
وربحتْ روسيا قاعدة عسكرية موسّعة لعقود طويلة لتصبح قوة عظمى فعلية لها دور في الشرق الأوسط، وقد أَوجدتْ سوقاً لأسلحتها التي استخدمتْها في سورية. وأصبح الكرملين، مثل واشنطن، محجة للرؤساء العالميين بعدما كان هذا مقتصراً على أميركا فقط.
كل هذا المنّ والسلوى سقط على إيران بفضل السياسية الأميركية الخارجية وبالأخص سياسة تغيير الأنظمة كما حصل مع صدام حسين ومع (محاولة فاشلة) بشار الأسد.
على طهران ان تشكر واشنطن لأنها المساهِمة الأولى في زيادة نفوذها في الشرق الأوسط. فعلياً، كل ما تحتاج له إيران هو السير خلف أميركا والتقاط الربح من أخطاء واشنطن والاستفادة منها. ولكن اليوم، ها هي إيران تقول لأميركا: شكراً على كل ما جنيتُه من أخطائك ولكن تستطيعين مغادرة بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين.