سورية من الخطوط الحمر إلى الصدام المباشر؟.. بقلم: سميح صعب

سورية من الخطوط الحمر إلى الصدام المباشر؟.. بقلم: سميح صعب

تحليل وآراء

السبت، ١ يوليو ٢٠١٧

بعد التحذيرات المتبادلة ورسم خطوط حمر متبادلة بين القوى الأساسية فوق الساحة السورية ولا سيما الولايات المتحدة وروسيا وإيران، بات مشروعاً التساؤل عن إمكان الذهاب إلى حدود الصدام المباشر الذي كانت هذه القوى تعمل على تجنبه في الأعوام الأخيرة من الصراع.
ويجاهر الكرملين هذه الأيام بقلقه من السلوك الأميركي في سوريا بعد إسقاط مقاتلة أميركية قاذفة سورية من طراز "سوخوي-22" فوق محافظة الرقة الأحد الماضي، لأنها بحسب رواية وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" كانت تستهدف مواقع قريبة من منطقة عمليات تحالف "قوات سوريا الديموقرطية" (قسد) الكردي-العربية المدعوم من الولايات في قتاله لطرد تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) من مدينة الرقة السورية.   
لكن الغضب الروسي لا يقوم فقط على قاعدة أن إسقاط الطائرة إنتهاك للسيادة السورية، بل يكمن في أن موسكو فهمت الرسالة على النحو الآتي: إن واشنطن مستاءة من إقتحام الجيش السوري النظامي مدعوماً بغطاء جوي روسي الحدود الإدارية لمحافظة الرقة قبل أيام واقتطاعه مساحات تصل إلى أكثر من ألفي كيلومتر مربع من هذه المحافظة والوصول إلى مدينة الرصافة جنوب الرقة بما يقطع طريق الفرار على مقاتلي "داعش" من مدينة الرقة. هذه المدينة التي تحاصرها القوات الكردية-العربية بدعم جوي وبري من قوات التحالف الدولي الذي تقود الولايات المتحدة من الجهات الشرقية والشمالية والغربية وتترك لها منفذاً من الجهة الجنوبية للفرار جنوباً نحو محافظة دير الزور التي يسيطر الجهاديون على معظمها.  
وفرار مقاتلي "داعش" إلى دير الزور يقدم خدمة مريحة ل"قسد" ومن خلفها الولايات المتحدة. إذ من شأنه تسريع الإستيلاء على مدينة الرقة نفسها بما يشكل ذلك من انتصار عسكري للقوات المدعومة اميركياً. ولن يكون إنتصاراً بالمعنى العسكري فقط. بل أنه غني بدلالاته الرمزية كون "داعش" أعلن الرقة "عاصمة الخلافة" التي أعلنها من الموصل العراقية قبل ثلاثة أعوام.
وترمي واشنطن من وراء دفع جهاديي "داعش" إلى الفرار نحو ديرالزور، إلى تمكينهم من السيطرة الكاملة على المحافظة وتوجيه ضربة عسكرية للقوات السورية ومن خلفها روسيا، بما يشكل إنتكاسة لكل الإنجازات التي حققتها الحكومة السورية في الأشهر الستة الأخيرة، من إستعادة مدينتي حلب وتدمر بالكامل وتوسيع طوق الآمان حول دمشق العاصمة والإندفاع نحو الحدود مع العراق والتمكن من الوصل البري الإستراتيجي بين دمشق وبغداد.  
وفي نظر الولايات المتحدة، تعني سيطرة "داعش" على ديرالزور نصراً تكتيكياً للتنظيم الجهادي، سيكون في مقدور أميركا تبديده في ما بعد، من طريق بناء قوة عشائرية موالية لها على غرار التحالف العربي-الكردي المتمثل في "قسد". وتأمل واشنطن من طريق مثل هذه القوة العشائرية أن تستعيد ديرالزور بمقاتلين سوريين موالين لها. وتكون بذلك قد قطعت الطريق أمام محاولات الحكومة السورية بدعم واضح من روسيا وإيران، إستعادة السيطرة على المحافظة الغنية بالموارد الطبيعية.   
لهذه الأسباب إنزعجت واشنطن جداً من تقدم القوات السورية النظامية والقوات الحليفة لها في جنوب الرقة وصولاً إلى الرصافة ليس لقطع الطريق أمام فلول "داعش" الفارين من مدينة الرقة أمام قوات "قسد"، وإنما أيضاً لإستخدام جنوب محافظة الرقة منصة للهجوم على دير الزور من شمالها في حين تستعد قوات نظامية  في ريف حمص الشرقي للدخول في الحدود الإدارية للمحافظة بعد أن يتم لهذه القوات السيطرة على مدينة السخنة آخر معقل ل"داعش" في الريف المذكور.  
إذن جزء كبير مما يجري في الرقة يتعلق بمحافظة ديرالزور. وهكذا يمكن فهم الغضب الروسي من إقدام أميركا على إسقاط القاذفة السورية والرد بإلإعلان عن أن كل الطائرات التي تحلق غرب الفرات قد تكون أهدافاً محتملة لوسائل الدفاع الجوي الروسي في سوريا.
وإنطلاقاً من الأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها ديرالزور إختارتها إيران هدفاً لستة صواريخ أطلقتها الأحد من همذان وكرمنشاه ضد مواقع ل"داعش"، لتبعث بذلك رسائل في مختلف الإتجاهات وأولاها للولايات المتحدة. وكان ذلك بمثابة خط أحمر إيراني أيضاً مفاده أن طهران لن تسمح بسقوط ديرالزور في أيدي "داعش". وقبل إيران قصفت بارجتان روسيتان من البحر المتوسط في أواخر أيار قوافل ل"داعش" في دير الزور كانت منسحبة من الرقة. ويومذاك أعربت موسكو بوضوح للاميركيين عن إستيائها من تسهيل "قسد" إنسحاب المقاتلين الجهاديين من مدينة الرقة نحو محافظة ديرالزور. وكان القصف البحري الروسي بصواريخ "كاليبر" بمثابة خط أحمر روسي أمام الولايات المتحدة.
بعد هذه التطورات في الأرض والسماء السوريتين، من يضمن عدم حصول تصادم مباشر في سوريا بين روسيا وإيران من جهة والولايات المتحدة من جهة ثانية. ها هي أوستراليا أولى المنسحبين من السماء السورية خوفاً من الصواريخ الروسية!
  المصدر: الميادين نت