معركة حلب وما بعدها في الإعلام الروسي.. بقلم: هاني شادي

معركة حلب وما بعدها في الإعلام الروسي.. بقلم: هاني شادي

تحليل وآراء

الجمعة، ٢ ديسمبر ٢٠١٦

تُؤكد غالبية وسائل الإعلام الروسية أن الاستيلاء على الأحياء الشمالية لشرق حلب يدل بوضوح على القوة المتعاظمة للتحالف الذي يعمل لصالح الرئيس السوري بشار الأسد بقيادة روسيا. وتشير صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» في هذا السياق إلى أن استمرار زخم الهجوم على حلب بالمعدلات الحالية سيعني تحرير المدينة بالكامل قريباً جداً من المُسلحين والإرهابيين. وهذا سيعني أيضاً، في رأي الصحيفة الروسية، لحظة انعطاف حاسمة بشأن تسوية الوضع في سوريا بمشاركة حلفاء روسيا. لقد باتت مشاركة مصر في الأحداث داخل سوريا تتكرّر خلال الأيام الأخيرة على نطاق واسع في الصحافة الروسية. فصحيفة «إزفيستيا»، بتاريخ 29 تشرين الثاني الحالي، واستناداً إلى مصدر في الدوائر العسكرية الديبلوماسية الروسية، تؤكد وجود عسكريين مصريين في سوريا كنتيجة منطقية للتطور الحاصل في العلاقات السورية – المصرية. ويُضيف هذا المصدر للصحيفة الروسية أن هذه الأنباء مطابقة للواقع، حيث يدرك الجميع أن المشاركة في النزاع السوري تسمح بالتأثير في تطور الأوضاع لاحقاً، ليس في سوريا فقط، بل وفي المنطقة بكاملها.
على المنوال نفسه، تُشير صحيفة «نيزافيسيمايا» (30 /11) إلى أن مصادرها تؤكد أيضاً ما تردد في بعض وسائل الإعلام مؤخراً من وجود عسكريين مصريين في سوريا. واستنادا إلى هذه المصادر، تُضيف «نيزافيسيمايا» أنه ضمن القوات الخاصة الروسية العاملة في سوريا تُوجد قوات من العسكريين المصريين كمتدربين على عمليات مكافحة الإرهاب. وتذكّر هذه المصادر، بحسب الصحيفة، أن موسكو تُنسق حالياً المواقف مع مصر ودول أخرى، منها الصين وصربيا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، بشأن المشاركة الفعالة في محاربة الإرهاب في سوريا. وتقول إن «وفد القوات المظلية الروسية، الذي وصل القاهرة في 29 من الشهر الحالي، يرمي إلى مناقشة هذه المسألة وغيرها من مسائل التعاون العسكري بين البلدين». اللافت أن إشارات الصحف الروسية المتعلقة بمصر تتناقض مع نفي الكرملين مؤخراً بوجود معلومات لديه بشأن المشاركة المصرية في سوريا.
بعض الصحف الروسية الأخرى تُشير إلى الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الروسي ونظيره الإيراني، مساء الاثنين الماضي، والذي جاء بعد اتصالين هاتفيين بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان. وتكشف هذه الصحف أن بوتين وروحاني اتفقا على مواصلة التعاون الوثيق بينهما بهدف تطبيع دائم ووطيد للوضع في سوريا. ويفترض الصحافي الروسي فلاديمير موخين أن النجاح العسكري في شمال شرق حلب كان في الأساس بفضل وحدات «شيعية وكُردية»، جرى إعدادها وتدريبها بواسطة العسكريين الروس والإيرانيين. ويلفت إلى أن هذه الوحدات تمّ تسليحها بأسلحة روسية حديثة وتدريبها على طُرق القتال في ظروف المدن، ومن ثم تمكنت من كسر المسلحين في حلب. ويكشف موخين النقاب عن استخدام أنواع حديثة من ذخائر روسية الصنع تعمل على إحراق المباني ومن بداخلها من المسلحين والإرهابيين. ويُضيف أن «استخدام هذه الذخائر تحديداً يُفسّر فزع المسلحين وفرارهم من مناطق حلب الشرقية أثناء تقدّم القوات الحكومية السورية». وتُلمح وسائل إعلام روسية أخرى إلى أن أنقرة تخلّت عن دعم المسلحين في شرق حلب، ما سهّل طردهم من شمال شرق المدينة.
في ما يتعلّق بالاتصالين الهاتفيين الأخيرين بين بوتين وأردوغان، ترى وسائل إعلام روسية أنهما لم يتعلقا فقط بالوضع في المناطق الشمالية الحدودية لسوريا ومصرع عدد من الجنود الأتراك مؤخراً، وإنما بقلق تركيا أيضاً من الوضع في حلب. وتكشف وسائل الإعلام هذه أن بوتين حاول، خلال الاتصالين الهاتفيين، إقناع أردوغان بالانضمام إلى التحالف الذي تقوده روسيا في سوريا والكفّ عن الدعوة إلى إنشاء منطقة لحظر الطيران في الشمال السوري. لقد أقلقت موسكو كثيراً تصريحات أردوغان الاثنين الماضي، خلال منتدى عن الشرق الأوسط في إسطنبول، والتي أعلن فيها أن عملية «درع الفرات» ودخول القوات التركية إلى شمال سوريا كانت بهدف إسقاط نظام الأسد. وهو ما دفع الكرملين إلى وصف هذه التصريحات بالمفاجئة وغير المتناغمة مع تصريحات أردوغان السابقة، مطالباً أنقرة بتقديم إيضاحات بهذا الشأن. وكان ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أكثر وضوحاً عندما أعلن أن تصريحات الرئيس التركي تتناقض مع الاتفاقات التي توصّلت إليها موسكو مع أنقرة. ومن ثم جرى الإعلان عن زيارة وزير الخارجية لافروف إلى العاصمة التركية لبحث هذا الأمر وعملية تسوية الوضع في سوريا في مرحلة ما بعد حلب. وبرغم تراجع أنقرة عملياً عن هذه التصريحات بالقول «إنه لا يتعيّن أخذ تصريحات أردوغان حرفياً»، إلا أن بعض المراقبين الروس لا يستبعد، حتى اليوم، احتمال وصول الأمور بين دمشق وأنقرة إلى حد المواجهة العسكرية، برغم التقارب الروسي التركي ومحاولة احتواء أنقرة من قبل موسكو.
وأخيراً، تُسرّب الصُحف الروسية في الوقت الراهن ما تطلق عليه «خُطة موسكو» المقبلة في سوريا. وهذه الخُطة تتضمن القيام بعمليات لحفظ السلام وإدخال قوات لهذا الغرض إلى الأراضي السورية، تُشارك فيها بلدان أخرى من حلفاء روسيا وسوريا. ولا تستبعد هذه التسريبات مشاركة الصين ومصر وصربيا وأذربيجان وأرمينيا وبعض دول الساحة السوفياتية السابقة الأخرى في قوات حفظ السلام في سوريا، بالطبع بجانب إيران وتحت قيادة روسيا. وتتضمّن هذه الخُطة كذلك إزالة الألغام وتقديم المساعدات الإنسانية. فقد أرسلت صربيا مؤخراً مساعدات إنسانية إلى دمشق، وطلبت وزارة الدفاع الروسية من أذربيجان المشاركة في عملية إزالة الألغام في الأراضي السورية. لكن السؤال الحائر في الإعلام الروسي، والذي لا يُجيب عليه أحد حتى اليوم، يتمحور حول ما إذا كانت «خُطة موسكو»، التي ستقودها روسيا بالطبع، سوف تروق بالكامل لطهران أو لتركيا أو للدول الغربية الأخرى، خاصة أنها قد تكون مرفقة بمحاولة للتسوية السياسية وفق الرؤية الروسية ووفق نتائج المعارك على الأرض.