هل يندفع أوباما لتفعيل اتفاق جنيف؟.. بقلم: محمد نادر العمري

هل يندفع أوباما لتفعيل اتفاق جنيف؟.. بقلم: محمد نادر العمري

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٦ نوفمبر ٢٠١٦

تضاربت الأنباء والتقديرات بشأن حقيقة تنصل الولايات المتحدة الأميركية من تنفيذ التزامها بإقامة مركز عمليات مشترك ينسق الجهود الأميركية الروسية للقضاء على الإرهاب وفق ما تضمنته صياغة «كيري-لافروف» في أيلول الماضي داخل أروقة جنيف الباردة، لتوقف بعد ذلك إدارة أوباما الديمقراطية الجهود السياسية لحل الأزمة السورية، لاعتبارات تتعلق بعضها بدوافع انتخابية تضمن نجاح حملة الديمقراطيين، وأخرى توضح معالم الصراع الدائر بين المؤسسة السياسية التي ساهمت في رسم محاور الاتفاق مع نظيرتها العسكرية الرافضة لأي تعاون عسكري مع الجانب الروسي يضمن الاعتراف بتعاظم دور موسكو الدولي.
غير أن فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، أثار موجة عارمة من التخوف الدولي حول دور ومكانة الولايات المتحدة الأميركية في إدارة الأزمات العالمية، وخاصة الاتحاد الأوروبي الحليف العضوي التابع بشكل دائم لتوجهات السياسة الأميركية، وجد نفسه عرضة لزعزعة مقومات حمايته الأمنية والعسكرية المرسخة «أميركياً» منذ عام 1941، ومخاطر انعكاس ذلك بشكل تلقائي على انخفاض نموه الاقتصادي وتضعضع هيكلية الاتحاد البنيوية، وتخبط مواقف أعضائه وتوجهاتهم السياسية التي بدأت تسير لمصلحة القوى اليمينية المتطرفة قبيل موسم الانتخابات الأوروبية والتي من المحتمل أن تتحمل فرنسا بوجه الخصوص تكلفة باهظة تطيح بحزب فرنسوا أولاند الاشتراكي، وكذلك السعودية التي ستجد نفسها أمام مروحة من الخيارات الصعبة، كتوجه نحو التطبيع العلني والسريع مع الكيان الإسرائيلي، من دون الاكتراث بعواقب ذلك، بعد مراهنة الرياض على فوز المرشحة هيلاري كلينتون في التربع على عرش البيت الأبيض، أملاً في اتباع سياسة شديدة الحزم تجاه أزمات المنطقة، كالملف السوري والدور الإيراني والتوسع الروسي، والسعي لإعادة النظر بقانون (جاستا) الذي أقره الكونغرس الأميركي ذو الأغلبية الجمهورية مثيراً سخط آل سعود واستياءهم.
أمام بعض هذه التحولات، قد تجد موسكو نفسها تملك مساحة أكبر في الإمساك بزمام المبادرة وإدارة الملف السوري بفترة تداول السلطة الأميركية، وقد تعيد طرح اتفاق «جنيف» على طاولة المباحثات خلال اللقاء المحتمل بين بوتين وأوباما بالبيرو، أثناء قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، ومنح الرئيس الأميركي باراك أوباما «الفرصة الأخيرة» لإحياء هذا الاتفاق ووضعه قيد التنفيذ، من خلال فصل من تسميهم واشنطن «المعتدلين» عن المجموعات الإرهابية، والشروع بإنشاء غرفة تنسيق مشتركة لمكافحة الإرهاب كإنجاز أخير، يحفظ لأوباما ولحزبه الديمقراطي «ماء الوجه» بعد الصدمة المدوية التي أطاحت بهم وأظهرت مدى ضعف نفوذ وقوة المؤسسة الحاكمة في أميركا، وسط معلومات شبه مؤكدة أفادت بأن أحد أهداف الرئيس بوتين من وقف عمليات سلاحه الجوي في سماء حلب، هو دعم المرشح الجمهوري للفوز بالانتخابات لإظهار هذا الضعف بمصادر القوة الداخلية للدولة العظمى، تزامنا مع الإعلان عن بدء الأسطول البحري الروسي مهامه الاستطلاعية وما تحمله من رسائل في ثبات الموقف للحسم العسكري بظروف سياسية مواتية، واكتمال الاستعدادات السورية- الروسية- الإيرانية، لإطلاق عملية عسكرية واسعة في أكثر من جبهة بدعم من الصين، واستثمار الواقع السياسي المتدهور بالداخل الأميركي، واحتمالية تغيير أولويات اهتمام الرئيس ترامب، بشكل يجعله ينكفئ خلال الشهور القادمة وربما خلال عامه الأول من الحكم، في تصحيح مسار ثقة الأميركيين به كرئيس، بغض النظر عن مصداقية التصريحات التي يطلقها قبيل تربعه على المكتب البيضاوي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتنظير لمعالم سياسته الخارجية، فاسحاً المجال من دون رغبة للمؤسسة العسكرية الأميركية للتدخل بدور أكبر في السياسة الخارجية، من دون أن يتعدى هذا التدخل وخاصة في الملف السوري حدود الاستمرار بدعم المجموعات المسلحة، نظراً لامتلاكه أداة ضبط الإيقاع العسكري من خلال «فيتو» الجمهوريين في الكونغرس، الأمر الذي يهيئ الظروف لدمشق وحلفائها لتغير الواقع الميداني ومقارعة المصالح الإقليمية بهدوء، إن لم يتلقف أوباما الفرصة الذهبية قبيل نهاية ولايته للانتقام من الجمهوريين والتخلص من دون مراوغة من وصمة عار النصر عليه، وملء حقيبته بجائزة نوبل ثانية للسلام.