شرق حلب والموت في سبيل أمريكا.. بقلم: إيهاب زكي

شرق حلب والموت في سبيل أمريكا.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الأحد، ٦ نوفمبر ٢٠١٦

بيروت برس -
كانت مبادرة ديمستورا التي وضع فيها نفسه بتصرف جبهة النصرة-جبهة فتح الشام حاليًا-، والتي تدعو لإخراج 900 إرهابي متطرف مقابل الإبقاء على ثمانية آلاف إرهابي معتدل، تبدو حلًا مثاليًا لسحب البساط من تحت الأقدام الروسية، حيث يتذرعون بعجز الولايات المتحدة عن الفصل بين "متطرف" و"معتدل"، وهذه المبادرة شكلًا كانت ستقيد التحرك الميداني للجيش السوري وحلفائه. وإذا كنا نعرف أن ديمستورا لا ينطبق عن هوى النفس بل يوحى إليه أمريكيًا، كما أننا متيقنون ليس من قدرة الولايات المتحدة على الفصل بين كل تلك المجاميع فقط، بل إنها هي من توزع أدوارها ومهامها، فالسؤال المشروع لماذا أفشلت أمريكا مبادرتها عبر رفض أدواتها للمبادرة الفرصة؟؟ هنا يجب تسجيل نقطة تفوق للدبلوماسية الروسية كما السورية حين تعاطتا مع المبادرة إيجابيًا بما يتصادم مع الرغبة الجماهيرية برفضها، فالمبادرة كانت بكل ما فيها من تزييف للحقائق والوقائع تشكل فخًا لكلٍ من روسيا وسوريا، ولكن القبول بها كان تجاوزًا للفخ ورد السحر للساحر، فمن وضعها كان يريد لها أن تُرفض، لأنّ تنفيذها يعني انهيار جدار الصد-جبهة النصرة- عن كل ما عداها من إرهاب.
فالدولة السورية بشكل قاطع وبعيدًا عن مناورات الضرورة الروسية، تتعامل مع كل من حمل السلاح ضدها إرهابيًا، وتضع له خيارين لا ثالث لهما للحل، إما العفو عبر تسليم سلاحه والعودة لحياته الطبيعية أو الاستمرار في القتال وبالتالي الموت، فلا تميز بين إرهابي معتدل وآخر متطرف. ومن هنا، شكّل القبول الروسي والسوري بالمبادرة جرس إنذار للولايات المتحدة، فهي تدرك أن كل من يحمل السلاح في سوريا ضد الجيش السوري، إنما هم عبارة عن إرهابيين دون استثناء، وجلهم ينطلق من فكر القاعدة الوهابية نهجًا وسلوكًا وإن ليس تنظيميًا، وبالتالي فخروج جبهة النصرة كان سيشكل الخطوة الأولى في تعرية كل تلك المجاميع من خلفها والكشف عن إرهابها جميعًا، حيث انها-النصرة-هي حائط الصد الذي تخفي الولايات المتحدة خلفه كل إرهاب تلك المجموعات. ومن هنا كانت ستنعكس المبادرة من سحب الذريعة السورية الروسية بمحاربة الإرهاب، لإسقاط الذريعة الأمريكية عن وجود معتدلين بين تلك المجاميع، لذلك انتبهت الولايات المتحدة إلى فخ القبول الروسي السوري، فتراجعت عن مباردتها من خلال ديمستورا عبر رفض مجاميعها الإرهابية لها، حتى تستمر في استخدام ذريعة الاعتدال والمعتدلين لعرقلة التقدم السوري قدر الإمكان.
وهذا التفسير الوحيد للفشل المتكرر للهدن المتكررة روسيًا وسوريًا، وبناءً عليه فإنّ الولايات المتحدة كما كررنا سابقًا لا تريد انتصارًا سوريًا سهلًا في معركة حلب وعموم الحرب، وآخر هدنة كانت نهار الجمعة الرابع من تشرين ثان/نوڨمبر، والتي انتهت دون خروج أي مدني أو مقاتل، حيث حالت المجاميع الإرهابية دون خروج المدنيين، وهي الوسيلة الوحيدة بعد فشل فخ ديمستورا لمواصلة عرقلة عملية تحرير حلب، وستكون هذه الكتلة البشرية -المدنيين-هي الوقود للهجوم الإعلامي والدبلوماسي والقانوني الإنساني لصد الهجوم السوري الروسي المنتظر. فرفض المجاميع الإرهابية لمبادرة ديمستورا منح سوريا وروسيا ذريعة قانونية وأخلاقية قبل أن تكون ذريعة سياسية وعسكرية لمهاجمة شرق حلب وتحريرها من الإرهاب، وهذا ما أخذته أمريكا بعين الاعتبار، فحرصت على منع المدنيين من الخروج، وهذا أيضًا قد يفسر تنازل المسلحين عن فرصة الإثراء بلا سبب من خلال سرقة أموال الناس الراغبين بالخروج، فتراجعت عن عرضها القاضي بدفع ثلاثمائة دولار لكل راغب بالمغادرة شرط أن يكون دون سن 14 أو فوق 55، فالأوامر الأمريكية لا تريد أن يُستنزف مخزونها البشري من وقود المعركة الإنسانية والدبلوماسية والقانونية، فخروج هذه الكتلة كان سيعني مشروعية المعركة بالنسبة للقانون الدولي، دون القدرة على التلطي بالإنسانيات، ودون أن يجد إعلام النفط أطفالًا ليمارس بوجودهم هواياته وفنونه بالكذب والتدليس والتحريض.
يتزامن كل هذا مع إعلانات دعائية لما يسمى بـ"المعارضة"عن ساعات صفرٍ لا تنتهي، وملاحم كبرى وصغرى بلا أفقٍ ولا قاع، وهي تأتي في إطار تشتيت الجهد الحربي السوري، مع محاولة تسجيل أي خرق ميداني يصلح للابتزاز الأمريكي، وليس يهم حجم الخسائر البشرية التي تتكبدها المجاميع الإرهابية مقابل ذلك، فهم بالنسبة لمشغليهم مجرد أرقام لشواخص وظيفتها الموت لا أكثر، أما متى وكيف ولماذا يموتون فهذا ليس شأنهم. ويبقى السؤال الذي يجب أن يسألوه لأنفسهم بعيدًا عن سطحية الشعارات وسخافات التثوير، هل سيُسمح لهم بالعيش ومغادرة شرق حلب، إذا ما قدمت سوريا تنازلًا مهمًا للولايات المتحدة في مكانٍ ما، في الرقة أو الحسكة أو دير الزور، ستأتيهم الأوامر بالمغادرة في هدنة مقبلة لاستخدامهم في ابتزاز سوريا بتنازلٍ آخر، وهذا الأمر مستبعد، فسوريا لن تقدم تنازلات جغرافية أو سيادية استراتيجية، لذلك فاستباق الأوامر الأمريكية بالمغادرة أفضل الخيارات، فإن بدأت عملية التحرير لن تضحي الولايات المتحدة بعشرة آلاف إرهابي في شرق حلب، بل ستستخدم من يُقتل منهم في هجومها الإنساني للحد الأقصى، وبعد مقتل ألف أو ألفين منهم ستسارع لاستخلاص هدنة مغادرتهم، وفي النهاية مصائرهم محتومة لا مفر منها، إلا إن قرروا أن الحياة حتى في سبيل أنفسهم فقط أفضل من الموت في سبيل أمريكا.