بالتوازي مع صناعة الموت.. آل سعود يحتفلون بالحياة

بالتوازي مع صناعة الموت.. آل سعود يحتفلون بالحياة

تحليل وآراء

الأحد، ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦

إيهاب زكي - بيروت برس -

كتب زلماي خليل زاد-السفير الأمريكي السابق لبلاده في أفغانستان والعراق- في مقالة له بمجلة "بوليتكو" ما قال إنه كلام لمسؤولين سعوديين، استمع إليه مباشرة في زيارته الأخيرة للمملكة، ونصه كالآتي "لقد استخدمنا الإسلاميين لمحاربة الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر في بداية الستينات، ردًا على مساعدته للثوار المؤيدين للجمهورية في اليمن والمعارضين للملكية وحكم الأئمة، وعندما انكسر عبدالناصر في اليمن، توصلت السعودية إلى نتيجة مفادها أنه يمكن استخدام الإسلاميين كوسيلة نافعة على نطاق واسع"، وطبعًا كل هذا بمباركة غربية أمريكية. ويضيف زاد حسب اعترافات المسؤولين السعوديين "ثم تطور الأمر ليتم استخدام نفس الوسيلة لمحاربة الاتحاد السوڨييتي طوال الثمانينات في أفغانستان، ولكن هذه المرة بالتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة. وعندما نجح الأمر للمرة الثانية، تم استخدامه لمواجهة إيران والتمدد الشيعي". وأردف زاد وحسب نفس المسؤولين أيضًا، "فإن السعودية لم تعد ترى في "إسرائيل" عدوًا، بل إيران والتطرف السني"، وبتفكيك هذه الكتلة من الاعترافات-والتي بالمناسبة لا جديد بها- نستنتج بسهولة أن ألدَّ أعداء السعودية هي السعودية نفسها، حيث أنها صنعت عدوًا لصالح الغرب و"إسرائيل" وتوهمت آخر أيضًا لصالح الغرب و"إسرائيل"، وهي الآن في حالة مواجهة مع كليهما وأيضًا لصالح نفس الطرف.

وهذا أمر طبيعي ولا يخرق السياقات التاريخية لهذه العائلة منذ المؤسس، حيث أنها تعمل في خدمة المصالح الغربية فهذا مناط التكليف والإنشاء، حيث ينقل العقيد هارولد ديكسون في كتابه "الكويت وجاراتها" الآتي: "ففي اجتماعٍ ضم ابن سعود والسير بيرسي كوكس وأنا فقط، فقد السير بيرسي كوكس صبره واتهم عبدالعزيز بن سعود بأنه تصرف تصرفًا صبيانيًا في اقتراح فكرة الحدود العشائرية، وقد أدهشني أن سيد نجد يوبَّخ كتلميذ وقح من قبل المندوب السامي"، ويردف "فانهار عبدالعزيز بن سعود وأخذ يتودد ويتوسل معلنًا أن السير كوكس هو أبوه وأمه وصاحب الفضل في الوصول إلى ما هو عليه من مكانة بعد أن كان لا شيء، وأنه على استعداد لأن يتخلى عن نصف ملكه بل كل ملكه إذا أمره السير كوكس بذلك". وقياسًا على ذلك نستطيع أن نحاكي اجتماعات آل سعود سابقًا وآنيًا ولاحقًا بكل المسؤولين الأمريكيين، ويبدو أن ورثة العرش البريطاني منذ روزفلت لم يأمروا بعد أبناء عبد العزيز بالتخلي عن ملكهم، فما زال لهم بهم حاجة، ولا تفسير لما يحدث في سوريا سوى أنه الاستخدام الثالث للإسلاميين في مواجهة محور المقاومة، بنفس الأدوات ولصالح نفس الأطراف. ولكن من سخريات التاريخ، أنه لم يسمح بمنطق الثور الأبيض، حيث كانت تستفرد الولايات المتحدة بأعدائها، فاجتمعوا هذه المرة في سوريا، الروس وإيران مع غياب عبدالناصر، فتم استبداله بأنصار الله في اليمن، أنصار الإمامة وأعداء عبدالناصر سابقًا، فاكتمل المشهد.

ورغم كل هذه الشواهد والتيبس الذي تعانيه سردية "ثورة ضد نظام"، إلا أن قطاعًا كبيرًا من الجمهور لا زال أسير المساحة التي ترسمها الدعاية النفطية، بكل ما أوتيت من عوارٍ واضح لا لبس فيه، فقد كانت مثلًا إحدى الركائز لتسخيف منطق المقاومة ومنطلقات المواقف السورية، بثّ دعاية أكذوبة العداء بين محور المقاومة و"إسرائيل"، وأن العلاقات "الإسرائيلية" الإيرانية هي على قاعدة العداء العلني والتعاضد السري، وأن سوريا لم تطلق طلقة واحدة منذ 40 عامًا، وما عدوان تموز إلا مسرحية. وبإسقاط المثل الشعبي القائل "ساهي الكذاب وحاكيه" على أدبيات ما تسمى بـ"المعارضة"، نستطيع الجزم بأنها "ثورة إسرائيلية" من ألفها إلى يائها، فيقول مثلًا فيصل القاسم في مقالٍ له "لن تسمح "إسرائيل" لإيران بالاقتراب من جنوب سوريا، ولهذا فمن المتوقع أن تقتطع حصتها من الجغرافيا السورية"، فإذا كان العداء مفتعلًا فلماذا يقطع فيصل بأن "إسرائيل" لن تسمح باقتراب إيران، ثم يعبر عن أمنيته بالاقتطاع. ويقول رستم محمود بأنه من ضمن خيارات الولايات المتحدة في سوريا "أن تقوم بالسعي لأن تمارس "إسرائيل" عملياتها الخاطفة تجاه قطاعات الجيش السوري وحلفائه من الميليشيات الشيعية"، ولا أعرف هنا علاقة هذا الخيار بسردية الحرية و"ثورة ضد نظام"، ولكن كل هذا هو بالفعل دليل واضح على أن "النظام" السوري وإيران وحزب الله هم أصدقاء "إسرائيل" بالسر أعداؤها بالعلن، والواقع أنه لم يعد إثبات "إسرائيلية الثورة" يحتاج لكثير بحث، فقد أصبحت "الثورة" ذاتها تتفاخر بتلك العلامة المسجلة.

ومثالٌ آخر على طريقة تسطيح الوعي واحتناك الناس، حين سرَّبت جريدة الـ"واشنطن بوست" "ڨيتو" أوباما على مشروع قرار العقوبات على الرئيس الأسد، سارع النفط لاعتباره دليلًا على التحالف السري بينهما وعدائية أمريكا للـ"ثورة" ومحاباتها للشيعة على حساب أهل السنة، بينما "ڨيتو" أوباما على مشروع قرار محاسبة الدول راعية الإرهاب، كان دليلًا لحرص أوباما على التحالف مع السعودية، وهي التي تعتبر نفسها ممثلًا شرعيًا حصريًا لأهل السنة. ففي الحالة الأولى، كان اعتراض أوباما دليلًا على تواطؤ أمريكا مع الأسد، وفي الثانية فهو دليل قوة السعودية، وهنا تحتاج الكثير من المشروب الرسمي في مضارب آل سعود لتقنعك هذه المقاربة، وبعيدًا عن كل هذا الغثاء النفطي. فإن الاستخدام الثالث للإسلاميين على وشك الفشل، وهو الفشل الذي لن يكون دون تبعات وأثمان، وعادةً فإنّ الطرف الأضعف هو من يدفع تلك الأثمان، وهو في هذه الحالة بالتراتب آل سعود وما صنعوا من أدوات قتل، فبينما يسيل الدم في سوريا تحت شعار "الله أكبر"، وهو الشعار الذي اعتمده آل سعود منذ ستينات القرن الماضي لتحقيق مآرب الولايات المتحدة و"إسرائيل"، يحتفلون بمرور 86 عامًا على احتلالهم للديار الحجازية، وهو مشهد لن ينساه التاريخ محترف الإعادة.