الجولان وانضباط الإيقاع.. بقلم: ربيع بركات

الجولان وانضباط الإيقاع.. بقلم: ربيع بركات

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٤ سبتمبر ٢٠١٦

قبل يومين كتب زفي باريل، المعلق المختص بشؤون الشرق الأوسط ومدير التحرير السابق لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عن الاتفاق الذي رعته موسكو وواشنطن لوقف إطلاق النار في سوريا. بحسب باريل، فإن اختبار الهدنة المتجدّد الذي يُفترض أن يعبّد الطريق أمام إنجاز تقدمٍ في مسار جنيف التسووي، يواجه تحدياً «من تحت» توازياً مع المعوقات التي ترافق كل فينة وأخرى محادثات أوباما وبوتين وموفديهما. فالقوات النظامية كما الجماعات المسلحة، متعددة المشارب والارتباطات، تملك حق «الفيتو» على الأرض. وثمة بينها من يستطيع، نظرياً، في لحظة ما، أن يقرّر قلب الطاولة على الجميع، ويحطم لوحة الزجاج الرقيقة التي اجتهدت إدارتا البيت الأبيض والكرملين لإعلان توصياتها على الملأ، ثم لصونها حتى الآن لعشرات الساعات لا أكثر.
لكن ما يفوت قراءة مماثلة يتصل بدور عوامل خارجية كذلك في تهشيم لوحة الزجاج تلك، برغم مساعي واشنطن وموسكو وقدرتهما، إلى حد بعيد، على لجم أي اندفاعات من خارج السياق، أو ترشيد هذه الاندفاعات ورسم حدودها على الأقل. هكذا مثلاً يتعامل الطرفان مع أي انزياحات تركية عن الخط المرسوم، فيتفهمان دوافع أنقرة ومطالبها من دون أن يتركاها تذهب بعيداً. علماً أن كلاً منهما يدرك صحة ما قاله أردوغان قبل أيام، بشيء من الوعيد الباطني، حيال استحالة قيام حل في سوريا من دون رضى بلاده. وهذا من شأنه أن يحيلنا تلقائياً إلى «الجار» الجنوبي لسوريا، إسرائيل، إثر فقاعة الحديث عن إسقاط طائرتين لقوات احتلال الجولان بالأمس، وبعد أيام على الاندفاعة العسكرية لجماعات مسلحة في ريف حماة، وما قيل عن ارتباطها برغبة الرياض بهزّ العصا لمن يعنيهم الأمر، بغرض التحذير من استبعادها عن مطابخ الحلول أو تحجيم دورها فيها.
القصف الإسرائيلي المتكرر أربع مرات على مدار أسبوعين لمواقع سورية في محيط الجولان، ما زال يوضع في سياق «الرد الموضعي على مصادر إطلاق النار»، من قبل جيش احتلال يدرك تماماً حجم تفوقه وتوظيفه مجريات الحرب السورية لمصلحته. علماً أن رد الفعل السوري كان مختلفاً عن مراته السابقة، لناحية استهدافه الطائرات المُغيرة بصواريخ أكثر جدية مما سلف، كما لجهة جرأة بيان الجيش السوري وتعاليه على «الحسابات».
نظرياً، يمكن تخيّل أكثر من سيناريو يشي به تطور من هذا النوع، على رمزيته: يمكنه أن يعكس، أولاً، رغبة طرف إقليمي (إسرائيل) بالدخول قبالة الآخرين (أو مع بعضهم) في بازار التفاوض على سوريا من بوابة الجولان، أو، ثانياً، قول طرف إقليمي آخر (إيران) إن اليد الروسية العليا في الميدان السوري لا تعني تنازلات بالجملة، تحديداً للمصنف عدواً، أو، ثالثاً، رغبة دمشق بالتأكيد على أنها أكثر من ملعبٍ للغير، وأنها ما زالت تحتفظ بقدر من «السيادة» في اتخاذ القرار (وفي هذا تكرار، بشكل مختلف، لرفضها الاقتراحات الروسية والإيرانية المتفهّمة لدستور يراعي «المكوّنات» الطائفية أو الإثنية). علماً أن أياً مما سبق، في حال صحته، يتصل بمحاولات جارية، رفضاً أو حماسة، لتسويق بوابة حديديّة أكثر سماكة من زجاج الهدنة العسكرية الذي يُخشى انكساره.. عنوانها تسوية سورية مع إسرائيل.
يبقى القول إن ضبط الإيقاع في الجولان، كما في عموم سوريا، يُتيح تبادل الرسائل اليوم، برغم هشاشته. واحتمالُ أن تكون الحوادث المتكررة غير مفتعلة من جانب أي طرف، لا يلغي القدرة على توظيفها من أجل «حوار» من نوع مختلف.