العنف في دائرة التحليل.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

العنف في دائرة التحليل.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢ أغسطس ٢٠١٦

العنف هو آخر مرحلة في الإسلام يلجأ إليها بشرط تحقيق مصداقية التطبيق لمراحل اللطف والرفق والحكمة والتعقل والعدل والإحسان، بأيدي من توافرت فيهم أو فيهن المؤهلات الأخلاقية عن عقل وعلم واقتدار وصبر وإحساس أخوي رحيم تجاه الآخرين، وعندما نتجاوز تطبيق تلك المراحل بيد أهلها، يصبح العنف جريمة وظلماً، وإن أعجز الناس مهما ملك من قوى جسدية أو نارية أو مالية هو من يلجأ إلى العنف بأنواعه أو يفكر فيه أولاً..، وفي الحديث الشريف: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، بل ليس مؤمناً ولا مسلماً ألبتة لله تعالى ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم من لا تكون قيَمهُ وأخلاقه في إمداداتها منبثقة من قول الله تعالى: (عذابي أصيب به من أشاء، ورحمتي وسعت كل شيء) وقوله: (.. رب العالمين الرحمن الرحيم)، وكذلك في شأن الرسول: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وقوله فيه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، ولو أن الإسلام في بدايات دعوته انطلق من مرحلة العنف والقسوة لما تحركت دعوته في مكة أو غيرها ولا شبراً واحداً؛ بل لكان قد سقط في مهده من غير رجعة؛ فالعنف إذاً ليس قاعدة معتمدة في أسلوب الحركة الإسلامية، بل هو خاضع لشروط وضرورات معينة محصورة في حدود ضيقة خاصة، يتحرك فيها التشريع من خلال دراسات الأخطار التي تواجه الإسلام والمسلمين والشعوب التي تأمن في مواطنتها تحت ظلال هذا الدين في قضاياهم الحيوية المتصلة بالوجود وبالموقع والامتداد، فلا يجوز التحرك بالعنف إذا كان للحق سبب استحال أن نبلغه من خلال الرفق، وقد أعلمنا الله تعالى في قرآنه الحكيم أن نأخذ بالتي هي أحسن في مواجهة المشكلات التي تثير النزاع في قوله تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم) فصّلت 34، وهذا هو الخط الإسلامي في الرفق والعنف الذي يُطلق الأسلوب بالطريقة التي يتحول فيها الأعداء إلى أصدقاء، لا أن نشهد فيما جرى ويجري كيف يتحول الأصدقاء إلى أعداء!.. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: (إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه، وإن الله رفيق يحب الرفق، وإنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)، إننا لا نستطيع أن نتحدث عن الرفق والعنف بطريقة المطلق؛ بل لابد لنا من تحديد المسألة في داخل النظام الإسلامي من حيث المقولات والنصوص لا من حيث مفاهيم الشخصيات، والنفوس، وكذلك النظر في خارج هذا النظام الإسلامي في مواجهة قوى الاحتلال والإرهاب والاستكبار على أساس الدراسة الموضوعية الشاملة لسلامة الهدف والقضية والأمة، فلا تتحرك من موقع رد فعل وحركة الانفعال، بل من موقع فعل متحرك من خطة مدروسة شاملة لكل جوانب الواقع الحاضر والمستقبل، فقد يتحرك الرفق في انتهازية مصلحية مثلاً ليقويَ اضطهاد الآخرين للناس وللإسلام والمسلمين عن طريق استغلال الحالة السلمية التي يواجهون فيها الضغوط الصعبة التي تطبَق عليهم، ما يزيد الحالة سوءاً ويؤدي إلى إسقاط الواقع لمصلحة القوى المضادة، وفي هذه الحالة لابد من الموقف القوي العنيف الذي يدخل في عملية مقارنة بين الظروف الموضوعية ومواقع الحركة وأساليبها وأوضاعها ابتغاء تثبيت مواقع اللطف والرفق والرحمة وأنها الحالة والمرحلة الاستقرارية في نهاية المطاف، ولقطع الطريق على العدو وعلى إرهابييه الذين يسعون إلى استغلال ضعف المسلمين أو الأمة والوطن في صدق رعايتهم لمكونات قوتهم الذاتية أو السياسية، فعندها لابد من تهدئة الموقف وإبعاده عن خط المواجهة بالمستوى التي تسمح به الظروف في هذه المرحلة لمنع الوصول إلى الانهيار.
(يتبع)