جامعة دول الشرق الأوسط!.. بقلم: الياس سحاب

جامعة دول الشرق الأوسط!.. بقلم: الياس سحاب

تحليل وآراء

الجمعة، ١٥ يوليو ٢٠١٦

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قبل سبعين عاماً ونيف، وحتى يومنا هذا، اجتاحت المنطقة العربية سلسلة من الأحداث السياسية، التي شكّلت أصلاً لغيرها أو فرعاً له، حتى بات الإقليم يقف على أخطر مفترق للطرق في تاريخه الحديث. وقد شكّل حدثان مفصليان وقعا في أربعينيات القرن الماضي فاتحة لكثير مما تلاهما، أولهما تمثل بإنشاء جامعة الدول العربية، والثاني بإقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين، قبل أن تتفرّع عنهما جملة من المسارات الفرعية، التي لا تقلّ أهمية لناحية ما آل إليه مصير المنطقة.
ويمكن القول إن مسار الأحداث ذات المردود السلبي على القضايا العربية ما زال يتشكّل تباعاً، وقد كانت الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري لدولة الاحتلال الصهيوني آخر محطاته، لناحية تشكيلها امتداداً للزيارة التاريخية المشؤومة التي قام بها إلى القدس الرئيس المصري الأسبق أنور السادات.
لطالما قلنا إن خطوة السادات ستؤدي إلى إخراج مصر من الصراع العربي ـ الإسرائيلي، علماً أن الزيارة الوزارية الأخيرة تستكمل مفاعيلها، لناحية تأمين المقدمات الضرورية لتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، والتمهيد المباشر لشرعنة انتماء إسرائيل العضوي للمنطقة العربية، من موقع المتفوّق.
ولعل عبارات كثيرة صدرت حول هذه الزيارة تفضح مخاطرها، من دون لبس أو غموض. من ذلك مثلاً بروز مفردات جديدة على لسان الديبلوماسية المصرية، تعبر عن تغيير انقلابي في المواقف، كتحويل قضية فلسطين من «صراع تاريخي» إلى «نزاع». إذ إن التعبير الأشدّ خطورة في كلام وزير الخارجية المصرية تمثل بنزع الطبيعة الأصلية للمسألة عبر إلباسها ثوباً جديداً، يجعل منها «نزاعاً فلسطينياً ـ إسرائيلياً» بدلاً من «صراع عربي إسرائيلي». وقد سارع أحد المسؤولين الإسرائيليين إلى التقاط هذا التحوّل بقوله، تعليقاً على الزيارة: «لقد صرف العرب النظر عن قضية فلسطين».
هذه المؤشرات لم تكن على أي حال جديدة أو مفاجئة. فقد سبقتها مؤشرات أخرى تكاد تكون مطابقة لها، بعضها صادر عن مصر، وبعضها الآخر عن بعض دول الخليج. وتكفي للدلالة على درجة الخطورة التي وصل إليها الموقف العربي الجديد في الصراع، الإشارة إلى أن التنازلات اللفظية والعملية من جانب العرب جاءت توازياً مع حركة إسرائيلية فاعلة في الاتجاه المعاكس، تمثلت أخيراً بقيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتوقيع على موازنة لإقامة مستعمرات صهيونية جديدة في الضفة الغربية.
تعبّر المؤشرات المذكورة بفصاحة مدهشة عن التحوّل في فهم الصراع مع الكيان الإسرائيلي، بما يتجاوز غضّ الطرف عن التجاوزات الإسرائيلية ويصل إلى حد التهيئة لنسج علاقات إيجابية مع الدولة العبرية. وهذا تطوّر يظهر في الأفق احتمالات عديدة، ليس أقلها فرط عقد جامعة الدول العربية، التي تعاني منذ سنوات من حالة موت سريري، وإعلان قيام «جامعة دول الشرق الأوسط»، وفي عدادها إسرائيل إلى جانب بعض الدول العربية، ولتذهب فلسطين وقضيتها إلى الجحيم.