"أفيخاي أدرعي" يهنئ بالشهر الفضيل!!.. بقلم: د. بسام الخالد

"أفيخاي أدرعي" يهنئ بالشهر الفضيل!!.. بقلم: د. بسام الخالد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ يونيو ٢٠١٦

Bassamk3@gmail.com
في بداية شهر رمضان انتشر فيديو مستفز على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيه المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي " أفيخاي أدرعي" وحوله عدد من جنود الجيش الإسرائيلي مدعياً أنهم جنود مسلمون، وكان اللافت للنظر خلال مقطع الفيديو خلفية الحائط التي يجلس أمامها "أدرعي"، حيث تظهر عليها صورة الهرم الأكبر في مصر وفيه توجه، بلغة عربية فصيحة، لجميع المسلمين في العالم بالتهاني والتبريكات بشهر رمضان الكريم وخص بالذكر (مسلمي إسرائيل وتحديداً مسلمي جيشها)!
وقال أفيخاي أدرعي: " إن هذا الشهر الفضيل، الذي يحمل في طياته معاني تستوقف كل إنسان، هو شهر الرحمة والتجدد والصبر والإيمان، ويأتي هذا العام والمنطقة بل العالم يعيش على واقع ظاهرة الإرهاب التي تهدد، ليس إسرائيل فحسب بل جميع دول المحيط، وأنا أعتقد أن أعداء إسرائيل باتوا يعرفون بأن الإرهاب والعنف لن ينالا من إسرائيل وعزيمة شعبها. وكأن "إسرائيل" لم تمارس والعدوان والاحتلال والتشريد!!
 ولم يَفُت المتحدث باسم جيش الاحتلال أن يتوجه لمجموعة الجنود "المسلمين" الذين تحلقوا حوله على مأدبة الإفطار بطريقة دعائية مدروسة قائلاً: "جنودنا المسلمون. إنها فرصة طيبة لكي نشكركم، ليس لأنكم تحمون وطنكم فهذا واجبكم، بل لأنكم تشاركوننا بعادتكم وتقاليدكم وطقوسكم وتأخذوننا بسلوككم وأخلاقكم إلى معاني هذا الشهر الكريم. صوماً مقبولاً وإفطاراً شهياً. رمضان كريم. وكل عام وأنتم بخير"!
 بالطبع لم ينسَ "أدرعي" ومحَضّري هذا اللقاء، من خبراء الدعاية والحرب النفسية الصهاينة، أن يسندوا جملة لأحد الجنود المشاركين في الإفطار "الرمضاني الإسرائيلي" ليقول: "إن جميع جنود الجيش الإسرائيلي المسلمين يصومون ويحضرون السحور والفطور، كما أننا نتابع مسلسل باب الحارة"!!
لن نتابع قضية ظهور المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بحد ذاتها، بل سنرصدها كإحدى وسائل الحرب النفسية والدعائية التي يستخدمها الإعلام الصهيوني ضد العرب، فكما هو معروف تم استثمار هذا الناطق، الذي يجيد اللغة العربية الفصحى بطلاقة كما يجيد لهجاتها،  منذ حرب تموز 2006 في لبنان التي بدأ فيها بتسويق قوة الجيش الإسرائيلي وأسلحته المتطورة بوصفها فخر الصناعة الحربية الإسرائيلية، وهذا جزء من مهمته، أما الجزء الآخر فهو حديثه عن التنوع في صفوف الجيش الاسرائيلي ووجود مقاتلين عرب مسلمين في صفوفه، يحتفل وإياهم بحلول شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى.. وحتى بذكرى المولد النبوي الشريف. وهذه رسالة أخرى من الرسائل الموكلة إليه تهدف لتسويق "إسرائيل كدولة" تحترم جميع الأديان بينما تاريخها الإجرامي الطويل يكشف دمويتها وعنصريتها تجاه الأغيار "البهائم" وإيمانها بمقولة (الشعب المختار) ولا غيره!
 أما الجزء المخفي الأخطر فهو الدعاية الإسرائيلية المنظمة المبنية على قواعد الحرب النفسية الحديثة التي أوردت عبارات مثل: (يحل علينا شهر رمضان هذا العام والمنطقة العربية غارقة بالاقتتال الذي لانعرف متى ينتهي، وكل ذلك باسم الإسلام والإسلام منه براء)!!
ويبدو أن أفيخاي أدرعي يمثل نمطاً جديداً من الدعاية الإسرائيلية أكثر احترافاً وتطوراً وأقدر على التخاطب مع الجمهور العربي الذي بات مستعداً لتنزيل القضية الفلسطينية في مراتب متأخرة من متابعته السياسية وخصوصاً أن مشاكل الدول العربية الأمنية وحالات الحروب الأهلية والفتن الطائفية قلبت سلم الأولويات بشكل كبير جداً.
تصوروا "إسرائيل الحمل الوديع" الغيورة على العرب والإسلام. والتي شقّت بأسافينها ومكائدها، منذ فجر التاريخ، صفوف العرب والمسلمين، تسوق نفسها متسامحة، وهي بهذا الخطاب الذي جاء على لسان ناطقها تنشر اليأس وتوحي بأنها هي واحة الأمن والسلام المتبقية في المنطقة.
من حق كل "دولة" أن تسوق لنفسها وتمارس الدعاية التي تحقق لها أهدافها ومصالحها، لكن بالمقابل من حق العرب الرد على ما يلحق بهم من إهانات وتشويه لكل ما كانوا يتغنون به من قيم وحضارة وعراقة وأمة لها تاريخ، هل نسي العرب مقولات بروتوكولات حكماء صهيون التي يقول أحد نصوصها: (العرب هم أول من يجب إبادتهم، وعلى أقوياء العالم من أزلامنا مساعدتنا في تطهير الأراضي المتاخمة لإسرائيل). أين الدعاية العربية المضادة. وأين الإعلام العربي من "إسرائيل" التي خططت لكل ما يحدث في العالم العربي؟ للأسف عندما ينشغل الإعلام العربي بصراعاته القطرية و"الردح" المتبادل. تخلو الساحة لأن تمارس إسرائيل، عبر إعلامها، كل صنوف الديمقراطية والتسامح وحقوق الإنسان وعندها يحق لـ "أفيخاي أدرعي" أن يهنئ العرب والمسلمين بشهر رمضان.  
كل يوم تترسخ لديَّ المقولة التي ذكرتها في إحدى مقالاتي السابقة: "إسرائيل جزيرة صغيرة تعيش وتنمو وسط بحر من الخلافات العربية"!!