البيان رقم (1) هل يصدر؟.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

البيان رقم (1) هل يصدر؟.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٧ يونيو ٢٠١٦

ليس من الواضح إلى الآن ما إذا كان تأجيل القرار باقتحام الرقة (المدينة تحديداً) يعود إلى نجاح داعش في «المشاغبات» التي قام بها في ريف حلب الشمالي مؤخراً والتي نجح فيها – كما يبدو- أن يرسي معادلة عسكرية جديدة تقوم على أن تهديد معقله (الرقة) سوف يؤدي بالضرورة إلى تهديد مدينة إعزاز في ريف حلب الشمالي التي تمثل أمراً بالغ الحساسية لأنقرة، أم إنه يعود إلى مجموعة من المعطيات التي برزت مؤخراً وقد يكون في الذروة منها اندفاعة الجيش السوري باتجاه المعقل الداعشي في مؤشر سيؤدي بالتأكيد إلى خلط أوراق عديدة وإلى إعادة الحسابات السرية منها قبل المعلنة.
رافقت عملية إطلاق معركة الرقة 24/5/2016 ضجة إعلامية كبيرة أريد منها أن تكون ذراً للرماد في العيون أو حرف الأبصار عن العبور الذي نفذته وحدات الحماية الكردية نحو غرب نهر الفرات، الأمر الذي كان يمثل حتى الأمس القريب (خط الموت) الذي سوّقت له أنقرة على مدى خمس سنوات ماضية، ولم يتردد مسؤولوها في التأكيد أن بلادهم لن تتوانى عن خوض معارك كبرى لمنع حدوث أمر من هذا النوع. من الواضح أن المناوشات الدائرة في محيط الرقة ليس فيها أي درجة من درجات التنسيق الأميركي التركي، بل على العكس فإن العلاقة بين الحليفين يشوبها التوتر المرشح لمزيد من التصاعد والاتساع، وأكثر ما يقلق الأتراك هو أن باراك أوباما يبدو مصمماً على (تنفيس) البالون التركي المنفوخ، وفي كل مرة تحاول أنقرة إصلاحه وإعادة نفخه من جديد يعمد الرئيس الأميركي إلى تنفيسه ثانية!! وإلا فكيف يقرأ التجاهل الأميركي لجميع المطالب التركية؟ ثم ماذا تعني عملية استبعاد أنقرة من أي مشاورات على الرغم من أن الأحداث على مرمى حجر منها أو من حدودها؟ ولربما القلق التركي لا يقف عند هذا الحد، فالخشية هي أن تذهب واشنطن إلى ذرا أبعد من سابقتها بكثير، وهو أمر لا يمكن الجزم به إطلاقاً إلا عندما ستصبح مدينة إعزاز (المعقل التركي الأخير في الشمال الشرقي السوري) مركز المعارك التي ستدور هناك، وعندها فقط يمكن الحكم على العلاقة الأميركية- التركية الراهنة وتحت أي خط عريض تنضوي تلك العلاقة من دون أدنى شك.
بات الأداء الأميركي في الشمال الشرقي السوري أكثر من مقلق فواشنطن الآن تخوض هناك حربين مهمتين هما في الرقة ومنبج أدواتها على الأرض قوات سورية الديمقراطية التي تبدو مطواعة أكثر مما يلزم في تنفيذ الأوامر حتى في تلك الاستعدادات الكبرى التي ترهق الجيوش وتصيب أداءها في مقتل، فبعد أن تم الإعلان عن بدء معركة الرقة أواخر الشهر المنصرم ارتأى الأميركان أن سلم أولوياتهم قد تغير، الأمر الذي استدعى تلك الاستدارة نحو منبج، وقد كان لافتاً الكلام الذي قاله آشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي قبيل توجهه إلى سنغافورة لحضور اجتماع أمني هناك ومفاده أن «منبج قد تحولت في الآونة الأخيرة إلى قاعدة لتدبير المؤامرات ضد أوروبا وتركيا والولايات المتحدة ومعركتها لا تحتمل التأجيل». في الحسابات الأميركية اليوم أن دمشق سيصعب عليها أن تشكل عائقاً في طريق مشروعها بحكم تشتت قواها على امتداد الأرض السورية، أما تركيا فهي أعجز من أن تقرر المشاغبة على الرغم من جسامة المخاطر الناجمة عن الحراك الأميركي الأخير وسؤال النفس الأميركية يقول: «وماذا عساها أنقرة أن تفعل في وجه الإرادة الأميركية التي تمتلك رزمة كبيرة من الأوراق التي يمكن لكل واحدة منها أن تهدد النظام السياسي التركي برمته، بل أيضاً بإسقاطه في وقت تبدو فيه التوازنات الداخلية التركية غاية في الهشاشة وهي لا تحتمل إطلاقاً امتداد أيدٍ خارجية لها، فكيف الأمر إذاً إذا ما كانت تلك الأيادي أميركية الجنسية؟
في غمرة هذه التعقيدات كان قرار الجيش السوري بالاندفاع نحو مدينة الرقة 2/6/2016 يريد بذلك خلط الأوراق الأخرى أو بعثرتها إن أمكن، وهي خطوة من شأنها أن تضع المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد أمام تحول مهم وخطر سيؤدي إلى دفع الآخرين نحو مراجعة حساباتهم من جديد، أما المدعوون ففي ذروتهم الأكراد السوريون الذين يرون وجوب استثمار اللحظة السياسية المتولدة عن دعم أميركي بلا حدود وبأقصى سرعة ممكنة قبيل أن تتغير المعطيات على الأرض وهم سيجدون أنفسهم اليوم أمام واقع مغاير لمخطط «الكروكي» ومن ثم كبح جماح اندفاعاتهم بالدرجة الأولى.
يتصرف الأكراد اليوم وكأنهم يعيشون وحدهم في هذا الكوكب باستنادهم في ذلك إلى القلعة الأميركية القوية وهي- كما ستظهره الأيام- قلعة لا تقي حرّ الشمس، ومن الخطأ الوثوق بها ولربما كانت أبرز الأحداث التي دفعتهم إلى الوثوق بالأميركان تتمثل بفرض هؤلاء الأخيرين الصوم السياسي والإعلامي على الأتراك وهم قد نجحوا في ذلك أقلة حتى الآن.
وحده أردوغان يبدو اليوم كأنه قد فقد بوصلته أو كأن الذهن المرتبك قد خذله هذه المرة في قراءة المشهد الحالي الذي يعيشه الشمال الشرقي السوري، ففي مؤتمر صحفي له ظهر فيه في نيروبي قال أردوغان بالحرف «إن قوات سورية الديمقراطية هي في أغلبيتها من المقاتلين العرب، بينما ينحصر- والكلام لا يزال لأردوغان دور القوات الكردية على تقديم الدعم اللوجستي لتلك القوات، ولا يقف عند ذلك فقد قال أيضاً ليثبت لنا حذاقة استخباراته ناقلاً عنها تقاريرها المقدمة إليه والتي تقول إن عديد القوات التابعة لسورية الديمقراطية تبلغ 2500 مقاتل أما المقاتلون الأكراد فهم لا يتعدون حاجز الـ450 مقاتلاً.
المشكلة هنا ليست فيما إذا كانت تلك المعلومات الاستخباراتية صحيحة أم لا بل المشكلة هي في قراءة تلك المعطيات أو تحليلها لتكوين صورة شاملة عما يجري، وإذا كانت رؤيا أردوغان الحقيقية هي تلك التي أعلن عنها في نيروبي من دون أن يكون مضمراً لرؤيا يصعب إعلانها فتلك هي كارثة سياسية بحق، أما إذا كان وراء الأكمه ما وراءها… أسوة بما جرى في ربيع العام 2003 وصيفه في العراق عندما رأينا الأفواه التركية تكمّ فجأة ومن دون مقدمات، وفي الوقت ذاته كانت تسير مفاوضات تحت الطاولة بجهد حثيث انتهى بقبول أنقرة التي وعدت بالكثير من النفط والكثير من المصالح تصل إلى حدود تسليمها كيان كولونيالي (تابع) 100% في مقابل السكوت عما جرى في كردستان العراق فيما بعد هذا التاريخ الأخير، أم إن أردوغان ارتأى أن الخيار الوحيد الذي سينتظره في حال شق عصا الطاعة الأميركية يتمثل في أن يظهر الداعية الإسلامي التركي فتح الله غولن هكذا ومن دون مقدمات ليعلن على إحدى الشاشات الأميركية عن صدور بيانه رقم (1).