عمدة عاصمة الإنجليز المسلم.. بقلم: رشاد أبو داود

عمدة عاصمة الإنجليز المسلم.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٠ مايو ٢٠١٦

لم يذهب عمر بن الخطاب إلى القدس قبل أكثر من 1400 سنة بخيول قوية، ولا بجيوش جرارة، ولا بعظمة وأبهة، مشى إليها بناقة وخادم معه، وزاد، هو عبارة عن كفايته الطريق من الماء والخبز والتمر.

مشى إليها قاطعاً الصحارى، في رحلة تاريخية، من المدينة المنورة، يعبر وخادمه الصحراء، وحيدين، سلاحهما الوحيد الإيمان، يتلوان سورة يس، كان عمر رضي الله عنه، يركب ناقته ساعة، ويمشي خادمه، ثم ينزل ليركب خادمه ساعة أخرى، ويمشي هو، ثم يمشي الاثنان ليريحا الناقة، حتى الناقة كانت في حساب الاستراحة، مسافة 2400 كيلومتر، حتى وصلا قريباً من الجيش المحاصر للقدس، بقيادة أبو عبيدة الجراح، وبينهما منخفض مليء بالماء والطين..

وكان الخادم راكباً، وعمر ماشياً بيده مقود الناقة، لم يأمر عمر خادمه أن يتنحى ليركب الناقة ويجتاز الوحل أمامه، وكان الخادم يريد أن ينزل ليمشى ويركب أمير المؤمنين، إلا أن الخليفة العادل أبى ذلك، وبعظمة العدل والرحمة والتواضع، خلع أمير المؤمنين، قائد جيوش الفتوحات الإسلامية، التي هزمت الروم والفرس، خلع نعليه ووضعهما على وسطه، شمّر ثيابه إلى ما فوق ركبتيه، وخاض الوحل، حتى يجتاز المنخفض من جهة قواد جيوش المسلمين.

فتمرغت ساقاه بالوحل، وعندما علمت جيوش المسلمين بمقدم أمير المؤمنين، هب قائدها أبو عبيدة مع قواده الأربعة، ليستقبلوه استقبالاً يليق بمقام خليفة المسلمين، حين شاهد أبو عبيدة ما ناب ساقي أمير المؤمنين من الوحل، قال له عن طيب نية، والحرص على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: »يا أمير المؤمنين، لو أمرت بركوب، فإنهم ينظرون إلينا«.

غضب عمر بعد مقولة أبي عبيدة هذه غضبته التاريخية الشهيرة، وصاح بوجه هذا القائد، الذي هزم الدولة البيزنطية، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، صاح به قائلاً: »والله لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، لجعلته عبرة لآل محمد صلى الله عليه وسلم. لقد كنا أذلة، فأعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا عزاً بغير الإسلام أذلنا الله«.

وحين وصل عند الباب، نزل إليه رئيس الأساقفة »صفريانوس«، البطريرك، وبيده مفاتيح القدس، وبعد أن سلّم عليه، قال له: إن صفات من يتسلم مفاتيح إيلياء (بيت المقدس) ثلاثة، وهي مكتوبة في كتابنا، يقصد شروح الإنجيل:

أولها: يأتي ماشياً وخادمه راكب. ثانيها: يأتي ورجلاه ممرغتان في الوحل. وثالثها: لو سمحت أن أعدّ الرقع التي في ثوبك. فعدّها، فإذا هي سبع عشرة رقعة! فقال: وهذه هي الصفة الثالثة..

تذكرت قصة سيدنا عمر بن الخطاب، فيما كانت لندن عاصمة الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس، تنتخب مسلماً رئيساً لها. كان انتخاب صادق خان، الناشط في حزب العمال البريطاني، رئيساً لبلدية لندن، التي تضم أكثر من (12) مليون نسمة، حدثاً هاماً للكثيرين في دول العالم. فهذا الرجل البسيط، ينحدر من أصول باكستانية متواضعة، وديانته الإسلام. ومع هذا، فإن إقبال الناخبين لإعطائه أصواتهم كان كبيراً.

البريطاني، الذي كان يستعمر الهند والباكستان ونصف العالم قبل (80) عاماً، صوّت لصادق خان، ليتبوأ منصباً بالغ الأهمية المعنوية والعملية، ولم يعطه لجون أوسمي أو جورج أبناء منطقته وديانته، وأصحاب البلد الأصليين، ولذلك أسباب، وهي أن المنصب العام هناك ليس بمغنم ولا فرصة للتربح والتكسب وجمع الأموال والعنجهية، بل خدمة المجتمع.

كما أن التربية والثقافة والممارسة التي ينشأ عليها الإنسان منذ الطفولة، في البلاد الديمقراطية المؤسسية، تقوم على أساس الوطنية، فالتربية والممارسة هناك، كما في غيرها من الدول الديمقراطية، تضع »الوطن فوق الجميع، لأنه للجميع«. سبب آخر، هو أن الركن الثاني في التربية والثقافة والممارسة، هي المواطنة. حين يشعر الجميع أنهم متساوون أمام الوطن والقانون، لكل منهم ذات الحقوق والواجبات.

ولذا، لم يهبط صادق خان بمظلة السلطة أو الطائفة على موقع عمدة لندن، وإنما عمل لسنوات وسنوات في صفوف حزب العمال، ليصل خطوة خطوة. كان صادق خان طبيعياً وشجاعاً، حين بدأ خطابه بعد الفوز »بالبسملة«. فلم يكن بحاجة لأن يخفي معتقده ولا مشاعره، ولم يشعر بالخوف من أن ينتقده سامعوه. ذلك أنهم لا ينظرون إلى عقيدته ودينه، وإنما ينظرون إلى ما سوف يقوم به من خدمة للمدينة العظيمة الأولى، أو الثانية، في العالم. وقد أعلن صراحة أنه لا يمثل الإسلام ولا المسلمين، وإنما يمثل المواطنين أياً كانوا.

وقبل صادق خان، كانت خديجة بنت غريب الجزائرية، التي فازت برئاسة البرلمان الهولندي، وقبل (8) سنوات، كان انتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة، التي كان السود فيها يعانون التمييز العنصري.

ذاك هو الإسلام، وذاك هو خليفتهم عمر بن الخطاب، الذي رفض أن يصلي في كنيسة المهد، حين دعاه البطيرك صفريانوس، ليس تعففاً، بل حتى لا يقتدي به المسلمون من بعده، فتتحول الكنيسة إلى مسجد، وهو عمر الخليفة العادل، الذي أعطى المسيحيين العرب العهدة العمرية، التي لم تزل تُحترم حتى وقتنا هذا، ويعلقها إخوتنا المسيحيون في كنائسهم. إنه الإسلام، دين الرحمة والعدل والإنسانية، و»لا إكراه في الدين«. ليس إسلام الذبح والسلخ والإعدام والاغتصاب، الذي تدعيه داعش وخليفتها البغدادي.

غادر العمدة السابق لصادق خان، مكتبه إلى منزله على دراجة هوائية، فيما وقف خان في اليوم التالي على محطة الباص ليستقله إلى مكتبه، مكتب رئيس لندن!!

لقد أخذ منا الغرب أغلى ما نملك، وأقوى سلاح بأيدينا، أخذ أخلاق الإسلام التي تخلينا عنها، ورمى بنا، بل رمينا بأنفسنا إلى التهلكة والضياع!!