إلى المرشحين "صغِّروا حجارتكم".. بقلم: إيفلين المصطفى

إلى المرشحين "صغِّروا حجارتكم".. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ١٠ أبريل ٢٠١٦

Evlism86@gmail.com
على وقع الهدوء الأمني الذي تعيشه بعض المناطق في سورية التزاماً بالهدنة وبالسعي للوصول إلى حل سياسي يحافظ على ما تبقى من هذه البلاد، أطلق المرشحون للبرلمان السوري حملاتهم الإعلانية، وأينما اتجهت في ساحات دمشق وشوارعها، وساحات المدن الآمنة تلقى وجوهاً لمرشحين يعلنون عن ترشحهم لمجلس الشعب.
خلال خمس سنوات اعتادت أزقة وشوارع سورية أن تتزين بصور شهداء رحلوا دفاعاً عن وطنهم أو ضحايا حرب أقل ما يقال عنها إنها حرب تغذت على دم السوريين.
اليوم تتزين الطرقات بصور لأغلبية من المرشحين الذين يعرفهم الشارع السوري مسبقاً، إضافة لصور بعض المرشحين الجدد الذين أرادوا أن ينخرطوا في العمل السياسي تحت قبة البرلمان بكونهم ممثلين عن الشعب، ورغم الشعارات البراقة التي أطلقها المرشحون إلا أن أغلبية الشارع السوري بات على يقين أن هذه الشعارات ليست أكثر من ذر للرماد في العيون، وخاصة أن الحشد الإعلامي الذي يواصل العمل ليلاً ونهاراً لسؤال أكبر عدد من السوريين حول مطالبه من المجلس هي ذاتها المطالب التي يأمل المواطن أن يحققها له مختار الحي في منطقته، والسبب أن الهم المعيشي جعل أفق المطالب والأحلام للشارع السوري لا يتعدى الحديث عن غلاء الأسعار والفساد وانخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية وتدني الأجور مقارنة بالأسعار.
ربما يتساءل البعض عن المبرر لهذا الحشد الإعلامي للمشاركة في الانتخابات التشريعيةـ وخاصة أن البلاد تعيش حالة عدم استقرار نتيجة غياب أفق لحل الأزمة السورية.
 بدايةً إن مبرر هذا الزخم الإعلامي يأتي لإيصال رسالة للعالم أنه رغم الحرب ورغم المحاولات لإفشال أي عملية سياسية إلا أن سورية ما زالت تحافظ على شرعيتها كدولة لها سيادتها واستقلاليتها، ولايمكن مهما كانت الظروف سواء أمنية أو سياسية أن يتم إلغاء أي عملية سياسية، وبالتالي فإن إطلاق الانتخابات التشريعية يمكن اعتباره ضرورة سياسية، لكن ماذا لو تمعنا في واقع هذا البرلمان وحاولنا تقييمه من الناحية الإيجابية والسلبية، إيجابيته الوحيدة أنه يمثل إحدى السلطات الثلاث التي يجب أن يقوم عليها أي نظام جمهوري، لكن من الناحية السلبية للأسف وبكل شفافية فإن هذا البرلمان لم يقدم أي شيء ملموس للشعب، رغم محاولته الخجولة لحجب الثقة عن بعض الوزراء في السنوات السابقة لكن باءت تلك المحاولات بالفشل وبقيت محاولات شكلية من الناحية الإعلامية لا أكثر، ولم ترتق لأن تحقق مطلباً واحداً للشارع السوري.
واليوم لو أجرينا استطلاع رأي في الشارع السوري بأن يذكر أسماء برلمانيين سابقين لوجدنا أن أغلبية السوريين لا يعرفون أسماء وحتى وجوه الأغلبية منهم، ولا تفاجأ إذا ذكر لك أسماء برلمانيين لبنانيين، والسبب أن أغلبية البرلمانيين السوريين يفضلون الوقوف بعيداً عن الشاشات والإعلام المحلي تجنباً لسؤال ماذا حققتم من الوعود التي رفعتوها قبيل وصولكم إلى البرلمان، وأين مطالب الشعب الذي صدق وعودكم وانتخبكم إيماناً بكلمتكم؟
وهنا لابد من لحظة صدق والقول بأن ملايين السوريين على مر السنوات السابقة لم يستفيدوا من برلمانهم وممن يدعون أنهم صوتهم تحت قبة البرلمان، حتى إن أغلبية المتتدافعين للترشح سابقاً كانوا يسعون للوصول إلى هذا المنصب حباً بالميزات التي يتم منحها لأعضاء المجلس والتي كانت تتمحور سابقاً بسيارة فاخرة وحصانة وشقة في أحد الأحياء الراقية المجاورة للأحياء العشوائية التي يقطنها من انتخبهم.
ولنكون منصفين مما لاشك فإنه يوجد بين هؤلاء المرشحين أشخاص وطنيون شرفاء، مؤمنون بالبلد وبالعمل الصادق والسعي لتحقيق ما وعدوا به من سينتخبهم، لكن لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وحقيقة لديهم من الآمال لتحقيق ما عجز من سبقهم على تحقيقه الكثير، لكن عليهم أن يدركوا أنهم سيواجهون متاعب شديدة وخاصة أنهم سيرثون منصباً في برلمان معطل ولا نبالغ إن قلنا إنه مشلول وغير فعال منذ سنوات، برلمان لا تتجاوز فيه أصوات ممثليه قبة البرلمان وشاشات الإعلام المحلي.
دعونا نعترف ونقر بأننا نملك برلماناً يعيش منذ زمن في حالة روتين قاتل وبحاجة لغرفة إنعاش، بحاجة لمن يطلق يده بحرية لتطبيق صلاحياته في مساءلة المقصرين وحجب الثقة عن أي وزير يعجز عن النهوض بوزارته ويفشل في تحقيق مطالب الشعب.
 لماذا نصر على غض البصر عن هذا البرلمان ونسعى بجهودنا الإعلامية لتغييب عقل المشاهد والقارئ ونصر على سلبه أحلامه وإجباره على أن يلقي بها على المرشحين وبأن يحملوه مطالبهم بأمانة، كمن يلف حبلاً من المطالب على عنق المرشح لتتحول مع الأيام بعد أربع سنوات إلى عبء ثقيل لا يعترف المرشح بعجزه عن حملها، ولا يقدم استقالته، والمثير للعجب أنه يعيد ترشيح نفسه كلما أتاحت له الفرصة.
 إلى المرشحين: أرجوكم احترموا أمنيات ومطالب ملايين من البؤساء واليائسين الذين يتعلقون بقشة في برلمانهم ويتوهمون بأن مرشحهم سيكون فانوسهم السحري على مدى أربع السنوات، تصارحوا مع هؤلاء البائسين واعترفوا لهم بمقدار ما يمكن أن تحققوه لهم كمرشحين في هذا البرلمان، صغّروا حجارتكم علها تصيب أهدافكم المنشودة، لا تضخموا وعودكم كونوا صريحين بما أنتم قادرون على فعله من أجلهم، لا تسافروا بوعودكم إلى ما هو أبعد من تزفيت شارع في قريتكم هذا إن استطعتم تزفيته، لا تتاجروا باحتياجات الناس، ولا بأحلامهم.
نأمل أن تعيدوا الحياة لهذا البرلمان، أن تعلوا أصواتكم بوجه الفاسدين والمسؤولين وبوجه قطاع الطرق والأرزاق، أن تعيدوا النظر في الكثير من القوانين والتشريعات التي تلامس الحياة الاقتصادية والاجتماعية للشارع السوري، أن تحترموا وتقدروا دماء من رحلوا، وأن تكرموا من بقي من شعب صامد دفع بأبنائه للدفاع عن وطنهم وعنكم لتصلوا إلى البرلمان بأمان علكم تكونوا سلاحه الفعال بوجه الفاسدين في الداخل مهما كانت مناصبهم، وأن تدركوا وأنتم تحت قبة البرلمان أن هناك فقراء لا قبة لهم إلا السماء.