أكراد سورية.. حصان طروادة أم مفتاح الحل؟.. بقلم: عمر معربوني

أكراد سورية.. حصان طروادة أم مفتاح الحل؟.. بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

الجمعة، ١٨ مارس ٢٠١٦

"سوريا المستقبل لكل السوريين وهذا ما يحققه نظام فيدرالي ديمقراطي"، بهذه العبارة  يمكن اختصار البيان الذي صدر عن المجتمعين في مدينة رميلان شرق مدينة القامشلي، تزامناً مع تطورات كبيرة حصلت في اليومين السابقين، حيث أمر الرئيس الروسي بتخفيض عديد القوات الروسية في سوريا، وينعقد مؤتمر جنيف لوضع أسس وتفعيل الحل السياسي للأزمة السورية. فهل هذا الإعلان هو ردّة فعل على عدم مشاركة ممثل للأكراد في مؤتمر جنيف؟ ام أنّ الأمر يرتبط بأجندة يشكل فيها الأكراد دور حصان طروادة، لتكر السبحة من بعدها ويصبح موضوع الفدرالية أمراً واقعاً وخياراً بين لعنة استمرار الحرب او اعلان توقفها، ضمن صيغة تثبت خرائط السيطرة الحالية وتغير ملامح الجغرافيا السورية ويلغي الدولة المركزية؟ وماذا عن مستقبل مجلس سوريا الديموقراطي الذي كان محاولة لإبعاد شبهة النزعة الإنفصالية لدى الأكراد؟

سؤال طويل ومتشعب، الإجابة عليه ترتبط بسياق طويل منه العقائدي المتعلق بنظرة الأكراد التاريخية وطموحاتهم،  ومنه السياسي المرتبط بالمرحلة الحالية ودور الأكراد فيها في منطقة حساسة من سوريا، ولا تتعلق بها وحدها بل ترتبط بشكل وثيق بالعراق وتركيا بشكل مباشر وايران بشكل غير مباشر.

بمعزل عن اية تحليلات، فإنّ ما اقدم عليه الأكراد اليوم يعبّر عن مستوى عالٍ من الإنتهازية السياسية واستغلال للظروف غير الطبيعية التي تمر بها سوريا، رغم ان الواقعية تُلزمهم بسلوك مختلف، كان يجب ان يستند الى حجمهم الحقيقي وظروف سكنهم للأرض الموجودين فيها حالياً، حيث يمكننا القول ان وجودهم في المنطقة لا يمكن تصنيفه بالتاريخي او الأصيل ناهيك عن عدم وجود رابط جغرافي بين "المقاطعات" الثلاث التي ستشكل الإتحاد.

وقبل الشروع في مقاربة الحالة المستجدّة، لا بد من استعراض بعض المسائل المرتبطة بأكراد سوريا وتعدادهم واماكن تواجدهم واستحالة نجاح اكراد سوريا في ترسيخ كيان لهم بعد عودة سوريا الى وضعها الطبيعي.

معظم الأكراد السوريين وصلوا الى سوريا بعد ثورة الشيخ سعيد بيران التي قمعها اتاتورك سنة 1925، هرباً من المجازر والتنكيل بحقهم، وهم بحسب الإحصاءات المختلفة لا يتجاوزون الـ500 الف نسمة، لم يبقَ منهم بعد اندلاع الحرب في سوريا اكثر من 260 الفاً، يعيش حوالي 150 الفًا منهم في الإتحاد المزمع اقامته، بعد ان كانوا بحدود الـ300 الف في محيط عربي بغالبيته، وهنا بعض الأرقام التي تشير الى توزع المدن والقرى في هذا الإتحاد:

1-            في محافظة الحسكة، عدد القرى الإجمالي 1717 قرية بينها 1161 قرية عربية و453 قرية كردية و50 قرية سريانية والباقي قرى مختلطة.

2-            في منطقة المالكية، عدد القرى العربية 148 قرية مقابل 115 قرية كردية و16 قرية سريانية و15 قرية مختلطة .

3-            في القامشلي، يوجد 345 قرية عربية مقابل 185 قرية كردية و  قرى سريانية و13 قرية مختلطة.

4-            في منطقة راس العين، يوجد 167 قرية عربية مقابل 96 قرية كردية و16 قرية مختلطة.

5-            في حين عفرين ونواحيها لا يتجاوز عدد السكان فيها 37 الف نسمة.

وهنا لا بد من الإشارة الى مسألة أخرى هي عدم وجود الرابط الجغرافي  بين المناطق الكردية، وبذلك تصبح تسمية "روج آفا" او "غرب كردستان" تسمية فيها الكثير من التعدي على الواقع الجغرافي والسكاني وتعتبر انتزاعاً اكثر منها نزعة للإستقلال، وهنا يكمن الخطر الرئيسي لجهة الصدام مع المحيط العربي الذي يشكل الوجود الأغلب جغرافياً وسكانياً.

مسألة أخرى بغاية الأهمية وهي ان الدول المعنية بالمسألة الكردية ستلتقي على توجه واحد وهو رفض اقامة هذا الكانتون، كل دولة لأسبابها والظروف المحيطة بها واقصد هنا العراق وايران وتركيا وسوريا، حيث سيكون اعلان الإتحاد بمثابة ذريعة اقله للجانب التركي في هذه الفترة لشن هجمات ما في نطاق الارض التي سيعلن فيها الاتحاد.

ومنذ بداية الحرب على سوريا لم يكن للأكراد موقف ثابت ممّا يحصل، وتأرجحت اصطفافاتهم بشكل مستمر وشكلوا لهذه الغاية قوات حماية الشعب وقوات حماية المرأة ومن ثم انخرطوا مع آخرين اخيرًا في تشكيل مجلس سوريا الديموقراطي وقوات سوريا الديموقراطية، ويتعاونون مع الاميركيين ومع الروس ونجدهم تارةً ينسقون مع الدولة السورية عبر الروس، ويهاجم بعض المسؤولين فيهم الدولة السورية تارةً أخرى.

مع كل هذا "اللاإستقرار" وعدم الثبات في الموقف الكردي، لا بد من الخشية من ان يكون الأكراد قد تعهدوا اطلاق شرارة التقسيم في سوريا عبر اقامة نموذج يشجع الأقليات الأخرى على القيام بالأمر، وهو الأمر الذي تسعى له قوى الهجمة على سوريا.

واذا ما ذهبنا باتجاه احسان الظن، فيمكننا ان نقول ان ما حصل قد لا يكون اكثر من محاولة ضاغطة لحجز كرسي في جنيف لطالما رفضها الاتراك والسعوديون ولم يمانعها فريق الدولة السورية ولا الاميركيون ولا الروس.

اضافة الى احتمال لا يمكن اغفاله، وهو امكانية ان تكون روسيا وراء الأمر كنوع من انواع رفع العصا اكثر في وجه التركي لحثه على تقديم تنازلات اضافية حول ما يحصل في المنطقة برمتها وخصوصاً سوريا.

في الختام، يجب ألّا نركن للجوانب الإيجابية في هذا الإعلان الكردي عن اقامة الكيان، ويجب مقاربته بما حصل في العراق بعد انهياره والتدرج الذي يمارسه الأكراد هناك وهم على وشك اعلان الانفصال بعد حصولهم على الحكم الذاتي بنتيجة انهيار العراق، وهو الأمر الذي يجب ان نتنبه له.