نور وظلمة.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

نور وظلمة.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٠ فبراير ٢٠١٦

لست مبدعاً ولا فصيحاً إذا قلت إن الأمة تستطيع أن تكون بخير من مستقبلها إن هي سارت على هدى من أمرها- وهي قد ائتمنت على هذا الهدى- بالدفاع عن شرف العدالة بوحدة صوتها الواحد وإيمانها التوحيدي الواحد لترسم أولاً للعرب جميعاً طريق السير على أشواك الحقيقة الصعبة من دون أن تنجرح، ومن المهم أن يدخل كل منا أولاً في هذا المِظَنّ قبل أن يسحبه على الأمة والجماعة ويتهرب من إثم أي تفرقة وإهمال، وأن يعرف من ثم أن الله تعالى لن يحاسب الأمة مجتمعة بل سيحاسب كل فرد منفرداً: (وكلهم آتيهِ يوم القيامة فرداً) سورة السيدة مريم الآية: 15؛ فماذا نحن صانعون بديننا وبعروبتنا كلها من غير هذا الانتماء لجوهرة الصدق بوصفه الإطار الذهبي لسلام مستقبل الحضارة الإنسانية كلها؟..؛ وإذ تتزاحم الأصوات على قضية الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية وأخطارها الكارثية فإننا يجب علينا جميعاً- مؤمنين متعقلين- الاتفاق على قضية الأخلاق، فهي القادرة بمفردها على إبطال مفاعيل كل سلاح يهدد أمن العالم وسلامته، ولنا أن نسأل عمن قد خرق ميثاق الأمم المتحدة بسياسة –فيتو- البهتان، وهي سياسة قديمة شهدناها من بدايات التاريخ يوم قالوا على مريم بهتاناً عظيماً!..، وعلى أدب الإسلام في الانتصار لحقيقة العدالة وعدالة الحقيقة، فقد جاءت مناجاة أحد الأطهار لربه عز وجل: (اللهم فكما كرهت لي أن أظلم فقني من أن أُظلم)، وما انهدم وطن وما تمزق مجتمع إلا بظلم الكذب ومكر البهتان وبغضاء الافتراء إلى أن غلب الشر على الخير أفراداً وجماعات وأوطاناً، وقلَّ أن نجد تلك النفوس اليوم في طرقنا ومواضع حياتنا وأعمالنا وعبادتنا – إلا من رحم ربك، وقليل ما هم!- مَن إذا رُؤيَ أحدهم ذُكر الله تعالى!!.. بل غلب على الأشياء فيما يشهد كل ذي عينين أن صار الحق باطلاً، والباطل حقاً بل لقد غابت حقيقة بعض النفوس والقيم المحمولة عن مكاشفة الحق سبحانه وتعالى: (أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسنا؟!) الآية؛ كذلك هو البهتان على البريء أثقل من السموات بلغة أحد الصحابة الكبار الكرام وهو يتلو من قوله تعالى: (ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يَرْمِ به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً) سورة النساء 112، وبعد ثمة حلقة مفقودة من الوعي التطبيقي للقرآن تكاد تلتبس في دوائر الخلط بين الموقف من العدو الخارجي، والموقف من الخصم في الداخل؛ فالواجب الفقهي والشرعي إزاء العدو الوافد من الخارج لاحتلال الأرض ومصادرة الكرامات والحريات هو واجب الدفاع ومقابلة العدوان بالمقاومة بجميع أشكالها، في حين أن الواجب الفقهي إزاء الخصم في داخل المجتمع الواحد هو تحريم الانتقام من الخصم؛ فلا يجوز مقابلة الفحش بالفحش ولا يجوز مقابلة الظلم بالظلم لصريح نصوص آيات وأحاديث كثيرة منها الآية: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن..) من سورة فصلت، ومنها الحديث الشريف: (إن امرؤ عيّرك بما فيك فلا تعيّره بما فيه..)، وآيات القرآن صريحة في دعوته إلى إخماد فتن الخصوم والخصومة بالحكمة والتسامح والعفو وبالاحتكام إلى مرجعية الإخاء بين المؤمنين: (خذ العَفو وامر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين) الأعراف 199، (ليعفوا وليصفحوا).. (وأن تعفوا أقرب للتقوى)؛ ومن غير هذا الخلق لما تيّسر لرسالتنا السمحاء مهما بلغت عظمتها التي لا نظير لها أن تبلغ مشارق الأرض والغرب؛ فالله تعالى قد قال: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران 159، والآية أيضاً صريحة بتحريم استخدام العنف وسيلة من وسائل الدعوة إلى الإسلام وبذلك نطق فم النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).
يتبع