حكومة أزمة أم أزمة حكومة.. بقلم: كميل العيد

حكومة أزمة أم أزمة حكومة.. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الجمعة، ١٥ يناير ٢٠١٦

لا يخفى على أحد بأن الأزمات التي تتعامل معها حكومة الدكتور وائل الحلقي بسبب الأحداث الراهنة ثقيلة وشائكة ومتغيرة. بدءاً من أزمة الكهرباء الى أزمة مياه الشرب والتدفئة والوقود المسال والأزمة الاقتصادية الخانقة المتمثلة في تراجع إيرادات الخزينة بسبب الخسائر التي لحقت بقطاع الصناعة والزراعة والسياحة، وكذلك انخفاض أسعار صرف العملة المحلية وارتفاع أسعار كافة المواد وعدم مواكبة الأجور للأسعار ومشاكل تأمين المواد الأساسية من رغيف الخبز وغيره، ناهيك عن تخلي عشرات آلاف الموظفين وأصحاب الخبرة عن وظائفهم. وكذلك الضغوط الأمنية والعسكرية وضرورة تأمين مستلزمات الحرب. وهذا أدى بالحكومة للعمل في أجواء مضطربة وغير مطمئنة وبعيدة عن المثالية وأنا لا أحسد الحكومة على الظروف الصعبة التي تعمل بها، كما أني لا أنكر عليها الكثير من النجاحات التي حققتها.  ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل تمكنت الحكومة من أن تتحول إلى حكومة أزمة؟
وهل استفادت من تجارب الحكومات السابقة أو تجارب حكومات بلدان صديقة أو عدوة وقعت في أزمات مشابهة؟ وهل ثقافة التعامل مع الأزمات هي السائدة؟
 في أحداث ثمانينات القرن الماضي والتي وقعت في سورية عانى المواطن من ظروف ربما تكون أقصى وأصعب في بعض مناحيها من الظروف الحالية، فأنا كنت أسكن في منطقة جرمانا وكنَا نسهر يومياً حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل ننتظر إعادة التيار الكهربائي الذي يتم بمعدل ثلاث ساعات يومياً تنتهي عند الخامسة صباحاً، نسهر لنقوم بتشغيل مضخات الماء وتعبئة الخزانات،  كما كانت سيدات البيوت تغسل الثياب ليلاً مستغلة وجود التيار الكهربائي، وكانت المواد الغذائية المتوافرة بالأسواق تنحصر بالزيتون والزعتر وكان الحليب ومشتقاته شحيحاً، وكانت الأزمة على الأفران والمؤسسات الاستهلاكية المناط بها توزيع السكر  والرز وزيت القلي شديدة،  أما إيرادات الدولة فكانت شحيحة ولاسيما بعد وقف المساعدات العربية الخليجية وتحول دول الخليج والسعودية لتغذية الحرب العراقية الإيرانية. وتراجعت قيمة صرف الليرة السورية بشكل كبير ويومها لم تكن سورية مكتفية ذاتياً بالغذاء ولا سيما القمح الذي يتم استيراده من الخارج. ولكن ورغم المطبات والعوائق الكثيرة انتهجت الحكومة سياسة الليونة في التفكير من أجل التخفيف من معاناة المواطنين وحشد المزاج العام والرأي العام الداخلي إلى جانبها، فعلى سبيل المثال صدرت قرارات القبول الشبيبي في الجامعات حيث حصل منتسبو منظمة اتحاد شبيبة الثورة والذين يخضعون لدورات قتالية لعلامات إضافية تؤهلهم لتحسين حظوظهم في القبول الجامعي وكنت يومها عضواً في قيادة رابطة العباسيين للشبيبة فماذا كانت النتيجة؟ لقد التحق عشرات آلاف الطلاب بالدورات القتالية ونجحت الدولة في كسب هؤلاء الطلاب وذويهم إلى جانبها، ورغم أن المساعدات لم تكن فعلياً تتجاوز بضع علامات بسبب تطبيق مبدأ المفاضلة على القبول الشبيبي (باستثناء دورات المظليين) إلا أن حرص الأهل على حصول أبنائهم على علامات إضافية تؤهلهم لتحسين وضعهم في القبول الجامعي دفعهم لإرسال أبنائهم إلى هذه الدورات ما عزز الحزام الشعبي حول النظام السياسي ومكنه من تشكيل مزاج عام ساهم في القضاء على الأزمة وهزيمتها. مثال آخر ولكن من الجانب الاقتصادي حيث لم تكن الدولة قادرة على تأمين فرص العمل لكل أبنائها ولاسيما أن على سورية تأمين مستلزمات الصراع مع إسرائيل وخاصة بعد الغزو الاسرائيلي للبنان واحتلال بيروت الغربية. فعملت الحكومة يومها على مبدأ "الفساد ملح التنمية" فتراخت في مخالفات البناء وتراخت في ملاحقة تهريب المواد الغذائية ومواد البناء وأجهزة الكهرباء والدواء، وأخذت هذه العملية الطابع الأفقي بحيث كان باستطاعة أي عاطل عن العمل الذهاب للبنان والإتيان ببعض المواد الغذائية أو مواد البناء أو الأجهزة الكهربائية والاستفادة من ببيعها داخل القطر مما أدى لدوران عجلة المال بين الناس وأصبح الجميع يعمل كل بمجاله مما خفف من تداعيات الأزمة على المواطنين وعلى خزينة الدولة التي كانت خاوية. وهنا يقول القائل بأنه لو سمحت الدولة بالاستيراد لحصلت على إيرادات للخزينة من خلال العائدات الجمركية وهنا ومع تأييدي لهذا الرأي أقول: في ظروف الحرب يطفو على السطح تجار الأزمة الذين يرتبطون ببعض أصحاب الشأن ويأخذ الاستيراد والتصدير الطابع العمودي ويصبح من اختصاص أشخاص محددين ذوي نفوذ يستفيدون وحدهم ويمنعون غيرهم من العمل. أما لجهة الخزينة فحصلت على الكثير من الإيرادات من خلال الضرائب التي كانت تفرض على المحال التجارية التي لم تتوقف عن العمل بسبب عمليات البيع تحت الطاولة، وبسبب عائدات كتاب العدل والمحاكم عند تثبيت البيوع في مناطق المخالفات.
 بطرحي لهذين المثالين لا أطالب بالعمل على منوالهم، ولكن أطالب الحكومة بتقوية الحزام الشعبي حول الدولة ومؤسساتها من خلال رفعها لشعار ""ليونة في التفكير وصلابة في الأخلاق"" وفسح المجال لآليات تدوير المال بين الناس، وتسهيل عمليات الزراعة والتصنيع وكذلك الاستيراد والتصدير وغيرها وإعطائها الطابع الأفقي من خلال السماح بمشاركة أكبر قدر من المواطنين فيها بعيداً عن التشبيح والتعفيش والخطف والتشليح.