سورية ومواجهة التصادم الإقليمي.. بقلم: مازن بلال

سورية ومواجهة التصادم الإقليمي.. بقلم: مازن بلال

تحليل وآراء

الاثنين، ١١ يناير ٢٠١٦

وحدها الرياض دخلت في رهان تجميع تناقضات الواقع الإقليمي، وجمعت المعارضة السورية لتشكل وفداً للتفاوض، ويبدو هذا الرهان شكلاً استباقياً لإمكانية تحييد دورها، ورسم ملامح الشرق الأوسط وفق تصور يتوازن حول محاور جديدة، فالسعودية وعلى عكس بعض الدول الكبرى، مثل روسيا أو غيرها، لم تدخل في رسم تقارب بين قوى المعارض؛ بل شكل الوفد المفاوض ضمن مواجهة إقليمية أكثر من كونها دخولاً في عمق الأزمة السورية، وكان من الطبيعي لهذا الرهان أن يحمل معه تطورات مختلفة، كان أهمها قطع العلاقات مع إيران، أو حتى فرض حرب معلنة لن تؤدي إلا الصدام فقط بل ستبدل من طبيعة العلاقات الإقليمية عموماً.
 عملية تبدو السياسة السعودية متخمة بالأدوار الإقليمية، فهي لا تريد فقط الإمساك بحلول الأزمة السورية واللبنانية، وترتيب الواقع في جنوبها عبر الحرب في اليمن، بل أيضاً تحييد كتلتين أساسيتين هما مصر وتركيا، وربما علينا قراءة هذا الاستيعاب المزدوج عبر علاقتين ترسمهما الرياض مع الدولتين، فهناك:
-    التعامل مع تركيا وفق قاعدة تسعى لإزاحتها كمرجعية إسلامية، بعد أن قام حزب العدالة والتنمية طوال السنوات العشر الماضية بالإمساك بهذه المرجعية، وبرضى أمريكي، بينما تحاول الرياض الرجوع إلى القاعدة الجغرافية لخلق تحكم مختلف لهذه المرجعية، وفي نفس الوقت تطرح "تعويضاً" عن الإخفاق في الاستراتيجية التركية، وعلى الأخص انهيار العلاقات بين أنقرة والقاهرة.
 تعتقد السعودية أن مرجعيتها تتأسس اليوم من قدرتها في ظل ظرف دولي غير واضح، فليس مهماً بالنسبة لها استراتيجياً تحركاتها بل إغلاق الأبواب على الآخرين، فهي طرحت تحالفاً عربياً ثم إسلامياً، وانخرطت ضمن مجلس تعاون استراتيجي مع تركيا، فالأسبقية بالنسبة لها تكرس مرجعيتها دولياً على الأقل للحفاظ على دورها مستقبلاً.
-    تحييد مصر قدر الإمكان، فهي استطاعت احتواء المعارضة السورية التي كانت تتجه نحو القاهرة، وحيدت الجامعة العربية كلياً بما يلغي الدور الاعتباري لمصر تاريخياً كمقر لهذه المؤسسة، وفي المقابل، فإنها تسعى لإزاحتها على المستوى الاستراتيجي من معظم الملفات العربية؛ مستفيدة من المشاكل المصرية – الإفريقية.
 يمكن النظر أيضاً إلى قضية تعامل الرياض مع "الأخوان المسلمين"، فهناك تحول واضح في هذا الملف يتجه لاستخدامه كنقطة ضغط باتجاه كل من القاهرة وأنقرة، فهو يحتمل التخفيف من الضغوط عليهم من السعودية من أجل استمالتهم، بعد أن أصبحت تركيا مرجعيتهم الرئيسية، وفي المقابل فهم ورقة الضغط الرئيسية على مصر في ظل الحساسية القائمة مع هذا التنظيم، فالدبلوماسية السعودية تشعره أنها متحررة من الالتزامات تجاه الإسلام السياسي عموماً؛ ما دامت تملك نموذجها الخاص الذي تكرسه بشكل يومي داخل أراضيها أو من خلال دعمها لبعض المجموعات المسلحة في سورية، لكنها تريد أيضاً تعويض الفراغ القائم بين هذه التنظيمات وبعض الحكومات، إقليمياً ودولياً، لكسب أدوار إضافية على المستوى الإقليمي والدولي.
 إن انعكاس هذه السياسة ستظهر بشكل مباشر داخل الأزمة السورية، ولم يكن التأثير فقط ضمن التفاوض بشأن أزمة بل باتجاه التعامل الدولي مع العملية السياسية عموماً، فليس من مصلحة القوى الكبرى كبح جماح السعودية وإتاحة الفرصة لدور إيراني أكبر، ومن هذه النقطة يبدو أن الهامش الدولي الممنوح للرياض أوسع مما هو متوقع، وهو ما سيؤدي إلى ترك الصدام الإقليمي بين طهران والرياض كي يترك تأثيره على جميع الأزمات، وهو ما سيدفع إلى ترك مساحة صراع سياسي مفتوحة وربما تأجيل "الأجندة الدولية" بشأن الأزمة السورية.
 المشكلة الأساسية أن أدوات الرياض لدورها الإقليمي لم تعد تعتمد على ثقلها الاقتصادي، بل تعتمد على أذرع عسكرية تتجاوز قدرة الشرق الأوسط على تحمل هذا العنف، ففي النهاية كانت "إسرائيل" فقط تعتمد "الذراع العسكرية" لتكريس دورها، لكننا اليوم أمام "هامش عسكري" متروك لعدد من الدول الإقليمي وهو ما دفع إلى تدهور واسع وتصعيد ستكون مساحته الجغرافية مفتوحة من سورية إلى العراق وربما باتجاه لبنان أيضاً.