الاستغلال البغيض.. بقلم: سامر يحيى

الاستغلال البغيض.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٦ ديسمبر ٢٠١٥

مع بداية الشهر الأخير من كل عام، تبدأ الاستعدادات للعام الجديد، وكما هي العادة تجد القطّاعات الحكومية تتّجه لاستهلاك المتبقي من رصيدها للبنود الخدمية، متجاهلةً عاماً كاملاً بإمكانها التصرّف به بحكمةٍ وحنكةٍ لتحقيق متطلّبات المؤسسة، ومتجاهلة الجانب الاستثماري الإيجابي المفترض أن يكون رديفاً لموازنة كلّ مؤسسات الدولة بغض النظر عن دورها واختصاصها، ودائماً تجد عبارة "منع الهدر وضغط النفقات"، التي تجاهلت بل أسقطت شعار "ضبط الهدر باستثمار الموارد"، فكم من عملية ضبط النفقات تؤتي عكس حقيقتها، وتحت حجّة ضبط النفقات، يتم التقتير في أماكن مع مرور الزمن غالباً ما تسبب نتائج كارثية للمؤسسة، متجاهلةً الأسباب الموجبة لوضع مخصّصات كل بندٍ، عدا الظروف الاستثنائية التي لا يمكن التحكّم بها.. ولاسيّما في هذه الفترة التي تمرّ بها سوريتنا، فهي مرحلة استثنائية تتطلّب تعاملاً استثنائياً إيجابياً بنّاءً يساهم في النهوض بالمؤسسة وأدائها بشكلٍ حيوي.
هذه المرحلة تتطلّب الجهد الاستثنائي والتصالح مع الذات، لاسيّما من الموظّف في القطاعات الحكومية بكافة درجاته ومراتبه، الذي يجب أن يدرك دوره وهدف تعيينه في هذه المؤسسة أو تلك بغض النظر عن المبلغ المالي الذي قبل به أصلاً ويعرف عنه عند تقدّمه لاختبار أو مسابقة أو وضع واسطة كي يتم تعيينه بهذا المكان، ما يتطلّب منه التفكير الإيجابي والسليم بتطوير عمله وأدائه، والقيام بواجبه البناء في المجتمع...بدلاً من الشكوى وإلقاء التهمة والتقصير على الآخر، ولاسيّما العبارات الجديدة "منزلي وأولادي الأهم"، "لو كان غيري مكاني لدمّر المكان وما استطاع النهوض"، "المواطن منافق لا يمكن إرضاؤه" إلخ من حجج وأقاويل متناسياً أن وجوده في عمله بهدف التطوير وتجاوز العقبات بما يساهم في تطوير الأداء لمصلحة الوطن لا التنظير وجعل فجوة بين المؤسسة وجمهورها، وأن من حق المواطن أياً كان موقعه أو بيئته أن يحمّل الحكومة كاملةً مسؤولية خطأ أو تقصير موظفٍ صغير في مؤسسة حكومية في الريف البعيد، ولكن دور الحكومة دراسة آلية حقيقية وجدية لرفع الوعي العام وتنشئة الجيل بشكلٍ إيجابي لتجنّب الوقوع في هذه الأخطاء وتطوير العمل المؤسساتي بكافة اختصاصاته انطلاقاً من الواقع الراهن مستندين للماضي للوصول للمستقبل المنشود.
نعم إن التصالح مع الذات هو الذي تحتاجه سوريتنا بهذه الأزمة التي نمرّ بها للاستمرار والانطلاق بقوةٍ لإعادة البناء والإعمار بالتوازي مع مسيرة مكافحة الإرهاب، إنّنا جزء من هذا المجتمع، وعلينا وضع الحلول المنطقية القابلة للتطبيق بالتعاون مع كافة الأفكار المطروحة، بغض النظر عن موقفنا من صاحبها أو انتمائه ما دامت تصبّ بمصلحة الوطن... ولاسيّما أنه عندما تجلس مع المسؤول أو المواطن العادي تجد نفس الشكوى، ويتجاهل المسؤول دوره في تجاوز التحديّات والمخاطر وتحويلها لإيجابيات وعملية بناء وتطوير، ورفع مستوى وعي هذا المواطن.. بعيداً عن إلقاء الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة، للتعتيم على أخطاءٍ حقيقية مقصودة أو غير مقصودة، تمس الوطن وأمنه واقتصاده وبناءه... واستبدال الاعتماد على تبريرات تبدو منطقية، بعملٍ وطني لتجاوز المعوقات وتحقيق الانتصارات بكل مجالات العمل الوطني، فكل منا مهما كان دوره بسيطاً، فهو أساسي، ولا يوجد مواطن دوره ثانوي.
فليحاسب كل منّا نفسه مع الاستعداد لاستقبال عامٍ جديد، للتصرّف بوطنية، ما دمت أنا قبلت العمل الموجود به، وأعرف مسبقاً حجم المرتب وضغط العمل، ما يساهم في تطوير الوطن والمجتمع بآن معاً... ومن حق كل منا السعي وراء مصالحه الشخصية، بما لا يتعارض مع مصلحة الوطن والثوابت والأخلاق والمبادئ التي نشأنا عليها، فشتّان بين المصالح المتبادلة والاستغلال البغيض، وهنا التوجّه المفترض أن يكون من الجهات الرقابية أو منتقدي المقالات المنشورة عبر وسائل الإعلام، بالاستفادة من الإيجابيات وتطويرها والاستفادة من الأسطر المكتوبة بإيجابياتها لا التوقفّ عند نقطة أو أخرى للتشكيك بالكاتب وهويته وانتمائه ومن ورائه، متجاهلين أن هذه الأمور مطلوبة في العمل السياسي والعلاقات الدولية، ولكنّها في الشق الداخلي تحتاج لانتقاء الأفكار الإيجابية والمعلومات التي تساهم مع غيرها في تطوير الأداء المؤسساتي والعمل الحكومي، وإيجاد أرضية حقيقية لمناقشة الأفكار والطروحات للخروج بالنتائج الأكثر قابلية للتطبيق على أرض الواقع بغض النظر عن انتماء وتفكير الكاتب، فالتشاور والنقاش والحوار البنّاء بين المؤسسات وأعضائها، هو الأساس الذي يجب أن يعتمد عليه بكل المؤسسات الحكومية، وبذل الجهد لتحويل البيئة السلبية التي نشأ فيها البعض إلى بيئة إيجابية، تساهم بتنشئة الأجيال المستقبلية القادرة على العطاء والإبداع ومحبة الوطن، بعيداً عن الاتكالية والتنظيرية والاتهامات اللامنطقية.
نعم سوريتنا بعد خمس سنوات من الحرب عليها من شتّى أصقاع العالم، ما زالت صامدةً وأعطت مثالاً في صمود قيادتها وجيشها وشعبها، وعلى الموظفين الحكوميين تعلّم الدرس والاستفادة من هذه الانتصارات بالاعتماد على الذات، والبدء ببناء الوطن كلّ من مكانه وضمن اختصاصه، للوصول إلى تحقيق الازدهار والاستقرار بالتوازي مع عملية مكافحة الإرهاب.. والخطوات الحكيمة التي تقوم بها القيادة لوقف الدعم وتجفيف منابع الإرهاب للوصول بسوريتنا إلى شط الأمان، على يد أبناء سورية وفوق تراب سورية، وبقرارات سورية خالصةً.