السلفية العلمانية والسلفية الدينية ..خلاف في الشــكل وتوافـق في الســلوك. بقلم: كميل العيد

السلفية العلمانية والسلفية الدينية ..خلاف في الشــكل وتوافـق في الســلوك. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الاثنين، ١٦ نوفمبر ٢٠١٥

 قتلتنا الردة، قتلتنا أن الواحد منا يحمل في الداخل ضده. قالها الشاعر مظفر النواب، وهي حقيقة نلمسها عند الأغلبية من أبناء مجتمعاتنا نراها في الدين وفي السياسة في الاقتصاد وفي قضايا المجتمع، وهذه الردة يمارسها الكثير من العلمانيين والمتدينين على حد سواء وهم بممارساتهم يمثلون قمة السلفية التي يدعون بأنهم يمقتونها وأنهم بريئون منها. فبينما يقوم الكثير من أدعياء التدين بتقديس مجموعة من الشخصيات التاريخية التي عاشت في الجيل الإسلامي الأول من الصحابة والتابعين. تقدس فئة من أدعياء العلمانية الكثير من الرموز التاريخية والوطنية والعالمية. والطرفان لا يقبلان الجدال في أفكارهم وأطروحاتهم فيلقون الخطابات الجوفاء الرنانة التي لا تخدم بناء المجتمع ولا مستقبل أجياله، خطابات يغلب عليها الترحم على الماضي وعلى رموزه وشخصياته متهمين من يخالفهم الرأي بالكفر ومخالفة الشرع بالنسبة للمتدينين وبالرجعية والتخلف والظلامية بالنسبة للعلمانيين ويشترك الطرفان بقذف مناوئيهم واتهامهم بالعمالة للأجنبي من دون مناقشة الأفكار مناقشة عقلانية تأخذ بعين الاعتبار التطورات التاريخية وصيرورتها محاولين إسقاط تجارب وأحداث تاريخية من الماضي على واقعنا الحالي ذي الظروف المختلفة. فالصراع الذي نعيشه بين السلفيتين صراع بين القشور وليس في الجوهر صراع بين فئتين مختلفتين في الشكل ومتفقتين بالوسيلة، فئتين مختلفتين في اللباس والسلوك الاجتماعي والنظرة للمجتمع، وتكادان  تكونان متطابقتين في الوسيلة والمضمون وفي رفض الآخر ورفض أي محاولة لعقلنة التفكير وتنميته. فإذا دخلنا إلى عالم المتأسلمين السلفيين نرى أنه ورغم الزيادة الكبيرة في نسبة مرتادي الجوامع ونسبة الإقبال على اللباس الشرعي وانتشار القنوات الدينية ومتابعيها وانتشار البنوك الإسلامية فإن تأثير هذا التدين على أخلاق المتدينين أنفسهم ضعيف وهو في القشور، ولم يصل إلى المضمون، فلم يتراجع الفساد ولا النصب ولا الاحتيال بينهم بل ازدادت الرشاوى وعمليات النهب وازدواجية المعايير التي يمارسونها. فالآباء يحثون أبناءهم على الصلاة وحفظ الآيات القرآنية فيما لا تجد نفس الاندفاع لديهم عندما يتعلق الأمر بالعلوم الأخرى، بل يقفون في وجه أبنائهم عندما يتعلق الأمر بالحداثة والاطلاع على تجارب الآخرين. وترى نساءهم يجتهدن في أن يكون لباسهن شرعياً ويرفضن الاجتهاد عندما يتعلق الأمر بالنميمة والافتراء على الآخرين. ترى تجارهم يواظبون على الصوم والصلاة والحج عشرات المرات إلى الديار المقدسة وكذلك زيارة مراقد الصحابة والأولياء الأولين ويجتهدون في الضرب عرض الحائط بالمواثيق تجاه شركائهم وزبائنهم ولا يتركون وسيلة احتيال إلا ويمارسونها عليهم. ترى سائقي التكاسي منهم يحتالون على زبائنهم ويتلاعبون بالعداد، ومقابل ذلك يجتهدون في تجنب الإذاعات غير الدينية والأشرطة والسيديات الموسيقية. وبالمحصلة ترى لدى هذه الفئة شتى صنوف انحطاط القيم وتراجعها. أما السلفية غير الدينية أو العلمانية فتلتقي مع السلفية الدينية بسعيها للوصاية على المجتمع والسيطرة عليه، ففي حين يطربك السلفيون العلمانيون بحديثهم عن أمجاد الماضي وضرورة النهوض بالمجتمع وتحديثه وبث قيم حقوق الإنسان من تكافؤ فرص وحرية المعتقد والجهر بالرأي والمساواة في الحقوق والواجبات تراهم في نفس الوقت يعتبرون عامة الشعب جهلة رعاعاً لا يعرفون مصالحهم ولا بد من قمعهم حماية لهم من ذاتهم التي يجهلون قيمتها، بل يجتهدون في منع الرأي المخالف لفكرهم، فيسعون لحجب القنوات والكتب والموسيقا التي لا تتوافق مع رؤيتهم ويضعون للحريات قيوداً عندما لا تتماشى مع وجهة نظرهم ويرفضون كما المتأسلمين أي تشريعات مخالفة لتصوراتهم وتصورات شخصياتهم التاريخية التي يعبدونها.
السلفيون العلمانيون ينادون بالديمقراطية عندما تكون لمصلحتهم وينبذونها إن شعروا بأنها ستؤدي إلى تحييدهم، كما يعتمدون سلاح التكفير والتخوين ضد كل مثقف أو سياسي لا يعتمد طرحهم ولا يتبنى وجهة نظرهم. كما أنهم يشتركون مع السلفية الدينية في عدم مراعاة التطورات السوسيولوجية والتاريخية والخصوصيات الحضارية للأمة العربية، وكلاهما يحاول إسقاط تجارب تاريخية جاهزة على واقع عربي مختلف ومتغير.
إن السلفيتين الدينية والعلمانية متفقتان في نمط تفكير ضيق ترعرع طيلة أكثر من خمسين عاماً وساهمت في إذكائه الأيديولوجيات المقيتة والصراع السياسي اللاأخلاقي، فكلاهما يحمل نمط تفكير يدمر ويؤذي جوهر الإسلام والعلمانية اللذين من بين أهم مقاصدهما سعادة الإنسان والتعايش المشترك.