اسمٌ على مسمّى.. أديب / نحوي.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

اسمٌ على مسمّى.. أديب / نحوي.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الجمعة، ٦ نوفمبر ٢٠١٥

 القصيدة والرواية والشغب الطلابي، والسياسة والمحاماة والسجن، وعضوية مجلس الأمة زمن الوحدة السورية المصرية، ثم السجن مرة أخرى، والوزارة، والحواري والأزقة في المدن والمخيمات والطين والغبار في القرى، كلها فضاءات، ضيقة أو رحبة، لشخصية واقعية اسمها في الحياة الأسرية والعامة والأدب (أديب نحوي)، وفي السجّل المدني بحي باب المقام بحلب (محمد أديب بن محمود النحوي). واسمه المعلن يماثل فعله، فيتحقق فيه المثل السائر: "اسم على مسمى" فهو أديب حقاً ونحوي أيضاً، بدليل أعماله القصصية والروائية التي منها (كأس ومصباح، تاج اللؤلؤ، عرس فلسطيني، آخر من شبه لهم، السلاح الأعزل...) والتي كان قد وضعها بين أيدينا، وبدليل اللغة التي صيغت بها هذه الأعمال من حيث إنها ظلت محافظة، بأمانة، على قواعد النحو والصرف، فلم تعتد عليها رغم خصوصيتها السردية والحوارية. فمنذ النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين ظلّ اسم أديب نحوي يتنامى في مضمار الأدب العربي السوري نصاً وموقفاً حتى يوم رحيله إلى جوار ربه في تموز من عام 1998.
 صحيح أن المحلية سمة بارزة من سمات إبداعه، فهي تبدو بوضوح في حلب وفي غيرها من المدن والمخيمات والأرياف، مثل حارة الطنابر في قاسيون دمشق. غير أن الصحيح أيضاً هو خروجه من هذه الحواري إلى أكثر أقطار الوطن العربي، ووقوفه الحاد عند فلسطين خاصة، بوصفها هم الهموم كلّها. أديب نحوي يكتب كما يحكي معك ومعي ومعنا ومع أسرته، لا يتفلسف ولا يعقّد الأمور، وهو مصوّر بارع، بل إني لأعتقد أن الأدب هو الذي سبق الفن التشكيلي إليه، وإلا لكان فناناً تشكيلياً واضح الحضور، بدليل أن المشهد لديه يمثل لوحة بحد ذاتها، كهذه اللوحة  في رسم إحدى الشخصيات: "كان ديبو الأحول –ولكن من الحسن- يرتدي قميصاً وبنطالاً، الدنيا صيف، وحرّ شديد لايحتمل فيه لبس السترة، بالرغم من أنها هي والبنطال طقم كامل فاخر، اشتراه ديبو من أحد محال بيع الملابس المستعملة في خان الصابون؛ فهو من شدة المسح والكي يلمع، ياسلام! فيصدر عنه بريق يخطف الأبصار(...) فإذا أضاف ديبو إلى ياقة قميصه العقدة الملوّنة بالأحمر والأخضر وفيها خطوط من اللون الكحلي وحلقات من السماوي والبنفسج وبقع من دسم زيت الفول المدمّس الذي يتناوله ديبو كل صباح عند رضا صاحب أشهر محل لبيع الفول في السويقة, اذا أضاف ديبو عقدته تلك إلى قميصه وربطها حول عنقه، فزقزقت ألوانها كأنها سرب من العصافير يطير دفعة واحدة من فوق شجرة، ثم خرج من المنزل حاسر الرأس (...) فمن يدري، سوى الله، بما كان يحدث للبنات المسكينات من الصبايا العاملات في مستودع الريجي".الاسم الكامل لهذه الشخصية هو (ديبو بن حمدو الصرماياتي)، وديبو هذا، كما تخبرنا القصة، لم يُصب بالغرام، فلا إحدى بنات مواعيده الصباحية ردّت عليه مرة، ولا هو سقط صريع الهوى في الطريق إلى السويقة؛ حيث ظل يغالب كل صباح خيبته في المغامرات الغرامية "بثلاثة أرغفة وكمشة من رؤوس البصل إلى جانب صحن من الفول المدمّس، يظل الفوال الكريم يُصلحه له كلّما نقص بإضافة مزيد من الفول والحمض والزيت، فلا ينهض ديبو متجهاً إلى عمله في لوازم البلدية إلا وقد أصبح جداراً من الإسمنت المسلح". مع مطالع أربعينيات العشرين بدأ أديب نحوي شاعراً، فقد أملى عليه النضال الطلابي ضد الاحتلال الفرنسي ان ينظم ويلقي القصائد الحماسية، وقد ألقى أولى قصائده عبر شرفة فندق بارون بحلب في إحدى تظاهرات الطلاب. أما أولى قصصه فقد صورت المقاومة الشعبية الباسلة للاحتلال الفرنسي غداة سقوط أحد الطلاب شهيداً برصاص المستعمر، وهو شخصية واقعية وأمه كانت في التظاهرة وهي معلمة يومئذ في مدرسة تجهيز البنات. وقد فازت هذه القصة بجائزة مجلة الهلال القاهرية ونشرت بعددها الصادر في آب 1948. زرته –رحمه الله- في بيته بمشروع دمر تمهيداً لندوة نقيمها له في كاتب وموقف بتاريخ 2/11/1993، وإذ مسحت المكان بنظري تساءلت في سري: نصف قرن من السياسة والمحاماة وأمانة فرع الحزب في حلب، مع نيف وعشر سنوات يمضيها وزيراً للعدل، ويبقى فرش بيته يماثل فرش بيتي؟!  يا سبحان الله!..