صيادو البشر .. بقلم: د. اسكندر لوقــا

صيادو البشر .. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٩ سبتمبر ٢٠١٥

في ثمانينيت القرن الماضي ، جرت معاقبة أحد موظفي الشركات التي تعمل في الكونغو برازافيل بفصله عن عمله فقط لأنه أحضر معه إلى مكتبه بندقية صيد . هذا التصرف لا أعتقد أنه كان يستدعي صدور هكذا  قرار ، كان ممكنا إنزال عقوبة الحسم من راتبه الشهري بنسبة ما ، أو إلغاء حقه في إجازته السنوية فضلا عن كتاب إنذار يوجه إليه وسوى ذلك ، وأما إحالته على مجلس التأديب وصدور قرار الفصل بحجة ربما كانت نيّة مبيّتة لديه للاعتداء على أحد العالمين في الشركة ففيه شيء من الظلم كما رأى البعض يوم النطق بالحكم عليه .
من حيث المبدأ ، دافع الموظف - ويدعى روبرت فرنسيس – دافع عن نفسه بقوله إنه أحضر البندقية للقيام بعملية صيد عادية خارج أوقات دوامه في الغابة القريبة من مكان عمله ، وإن يكن يعلم أن صيد الطيور في موسم غير موسمه يعرض الصياد إلى أشد أنواع العقاب . ولم يكن دفاعه كافيا لتبرئته عندما أقسم أنه لا يمكنه أن يتمالك مشاعره بمجرد رؤيته أي طير ومن نوع معين بمجرد ظهوره في الفضاء أمام ناظريه .
حدث هذا في بلد يحترم حياة الطير ، أيا كان نوعه . فماذا عن الصياد الذي يأتي من بلاده البعيدة إلى بلاد غيره ، لا ليصطاد طيورها بل ليصطاد أبناءها إرضاء لشهوة الصيد لديه مقابل مبلغ من المال وتحت تأثير ما يسمى بغسل الدماغ ؟
فيما يتصل بالموظف فرنسيس ، كان شرطا كي يعود إلى عمله مستقبلا ، شفاؤه من مرض نفساني جعله أسير مشاعره . ولهذا الاعتبار أحاله ذووه إلى طبيب نفساني ، ولم أعد أذكر النتيجة التي توصل إليها هل شفي من مرضه النفسي أم لا ، هل عاد إلى عمله أم لا . ولكن ماذا عن الصيادين الذين يأتون إلى بلادنا قبل وبعد كل موسم صيد لممارسة هواية صيد البشر بدم بارد على نحو ما يحدث في بلادنا اليوم ؟
إن أمثال روبرت فرنسيس هو من نوع البشر الذين يمكن شفاؤهم من مرض الاعتداء على الطير بإحالتهم إلى عيادات الطب النفساني ، ومهما طال زمن شفائهم،  ولكن ماذا عن مصاب بمرض عقلاني غير قابل للشفاء نتيجة إقناعه بأنه ، بارتكاب عملية صيد البشر ، سيكون له حظ الصعود إلى السماء لينعم بالجنّة وبين أهلها ؟  هؤلاء يحاولون عبثا رسم مستقبل بلد كسورية التي تعتبر من صناع الحضارات القائمة حتى يومنا هذا ويراد لأهلها أن يستكينوا للأمر الواقع تحت الترهيب والترغيب ، ومع هذا تبقى حاملة قنديلها المضاء ، يشق أبناؤها دروبهم نحو غدهم  المنشود مهما كانت مزروعة بالأشواك التي تدمي أقدامهم .
صيادو الطيور ، قد يجد الإنسان مبررا لهم ، كما المبرر الذي اعتمده فرنسيس في دفاه عن نفسه ، ولكن كيف سيبرر من حمل السلاح لقتل أخيه في الإنسانية من حيث المبدأ ومهما كانت أوجه الخلاف بينه وبين الآخر ؟ وبالتالي كم من عيادات الطب لنفسي تحتاجها البشريّة لتعيد بناء الإنسان فيهم ، بناء الإنسان المغيّب عن وعيه وحتى عن وجوده ؟  تلك هي المسألة .
iskandarlouka@yahoo.com