ساركوزي وعقدة الجزائر .. بقلم: مفتاح شعيب

ساركوزي وعقدة الجزائر .. بقلم: مفتاح شعيب

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٨ سبتمبر ٢٠١٥

لا يترك الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي فرصة من دون التحامل على الجزائر، ومن آخر استفزازاته غير المبررة دعوته جدياً إلى مراجعة اتفاقيات ايفيان التي تم بموجبها منح الجزائر استقلالها في الخامس من يوليو/تموز 1962، بعد حرب تحريرية ذائعة الصيت وغدت عقدة لفرنسا وكثير من سياسييها ومضرباً لإرادة الشعوب المضطهدة عندما تقرر أن تمتلك سيادتها وتقرر مصيرها مهما قدمت من تضحيات.
ليست المرة الأولى التي يتطاول فيها ساركوزي على الجزائر، فقبل شهرين حاول بث فتنة بينها وبين تونس حين اعتبر الأخيرة سيئة الحظ بعدما وضعتها الحتمية الجغرافية بجوار الجزائر، وعندما كان رئيساً في الإليزيه لم تكن سريرته طيبة إزاء الجزائريين، وربما فرض عليه المنصب الرسمي وهيبة مؤسسة الدولة ألا يجاهر بما يضمر، ولكن ما يصرح به من حين إلى آخر يعتبر من الناحية السياسية خطيراً ومؤشراً على عقلية استعمارية خبيثة يمكن أن تتطور في يوم من الأيام إلى منهج رسمي للدولة إذا توفرت لها الظروف المحلية والدولية، فالاستعمار ظاهرة يمكن أن تعود إذا توفرت لها الشروط، وبعض العقليات الفرنسية ومنها النخب اليمينية ومن ضمنها ساركوزي التي تعتبر أن المرحلة الاستعمارية كانت عهداً مجيداً يتوجب المحافظة على ذكراه وإعادة التذكير به وإحيائه لتحقيق مآرب قد يتم استثمارها في المستقبل.
هناك أكثر من 53 عاماً من استقلال الجزائر عن فرنسا والعلاقة بين البلدين لم تتخلص من ترسبات العهد الاستعماري، وللتاريخ فإن حرب التحرير الجزائرية كانت شرسة في الميدان ، والمفاوضات التي استمرت أكثر من عامين كانت بالقدر نفسه من الصلابة والتماسك وأبدى المفاوضون الجزائريون صموداً في جولات عديدة لتنتهي بوثيقة إعلان استقلال الجزائر وتنظيم نوع من العلاقة بين الطرفين تتعلق بالمجالات الاقتصادية والإدارية والثقافية ومنح الجزائريين في فرنسا أفضلية وحقوقاً كنوع من رد الاعتبار و«الاعتذار» عن 130 عاماً من الاستعمار، ويبدو أن النقاط التي يريد ساركوزي مراجعتها هي التي تتعلق بوضع المهاجرين الجزائريين ضمن نظرته اليمينية الرامية إلى التضييق على الأجانب. ومن خلال تهجمه على سكان الضواحي بدعوته إياهم إلى التقليل من شكاواهم، تحرك شيطان العنصرية داخل ساركوزي وهو الذي قمعهم بشدة عام 2006 عندما كان وزيراً للداخلية في عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك. وسكان الضواحي الذين يمثلون قاعدة شعبية عريضة تتشكل غالبيتهم من المهاجرين الذين صوتوا بكثافة ضده في انتخابات 2012 ومنحوا ثقتهم للاشتراكي فرانسوا هولاند أملاً في واقع أفضل.
ربما يعود ساركوزي ثانية إلى قصر الإليزية على ظهر حزبه «الجمهوريون» مغتنماً السقطات التي وقع فيها هولاند، ولكن رغبته في مواصلة ما بدأه في ولايته الأولى ستصطدم بمتغيرات كبيرة سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي والدولي. وبالنسبة إلى علاقته مع الجزائر والجزائريين فلن تكون أفضل حالاً، بل هم لا يريدونها أصلاً أن تكون أفضل إذا لم ترتكز على خطاب سياسي يبتعد عن الرؤية الحاقدة كتلك التي يسوق لها ساركوزي في كل مرة يعترضه فيها شيء يحيل إلى الجزائر.