من النيل إلى ..الفُتات !!.. بقلم: رشاد أبو داود

من النيل إلى ..الفُتات !!.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

السبت، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٥

هل هو العلو الثاني «إلى الهاوية»؟ أم بداية انهيار المشروع الصهيوني الديني بلبوس سياسي عسكري، الذي خططت له الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل العام 1898؟

هل وصل الصهاينة إلى قمة القلعة الهشة التي بنوها في نفوسهم وحولهم لكنهم فشلوا في منع الريح من الهبوب والبحر أن يتوقف عن ضربهم بأمواج الغضب وهم الغرباء عن القدس والأقصى والشط والبرتقال والزعتر واللد والرملة وحيفا وعكا؟!.

في العشرين من الشهر الحالي انتهت فترة «الإنذار» الذي وجهه عتاة المتطرفين الصهاينة إلى البابا فرانسيس ليقدم اعتذار الفاتيكان لليهود عن اعترافه بالدولة الفلسطينية!. جاء الطلب الجنوني من خلال محكمة دينية يهودية وإلا «ستتم مقاضاته أمام هذه المحكمة..

وإن لم يحضر فستتم محاكمته غيابيا». الإنذار تضمنه رسالة موجهة من المحكمة التي تضم 71 حاخاما يعتبرون أنفسهم «حُكماء» وامتدادا للمحكمة الدينية العليا التي أدارت شؤون اليهود في حقب تاريخية، البابا بالاعتذار أو المحاكمة.

مضمون الرسالة يحتوي على الكثير من الادعاءات الكاذبة حول تاريخ فلسطين، ويسعى إلى سلب الشعب الفلسطيني حقوقه الطبيعية في وطنه، ويحاول نكران أي حقوق لغير اليهود في فلسطين.هذه المحكمة، حسب مسؤول فلسطيني..

لا تحمل أي صفة قانونية تعطي وزنا لمسرحيتها، ولكن الخطورة تكمن في أن هذا المستوى الجنوني من التطرف الأيديولوجي والوقاحة يخرج من حاخامات، لهم تأثير كبير على حكومة الاحتلال، وأحزاب تحالفها، واليهود المتدينين، خاصة المجموعة الموقعة على الرسالة، من أمثال يوئيل شوراتز، ودوف ليفانوني، واسرائيل ارئيل، ودانيال ستافسكي، ويهودا ادرين، ومائير شتاين.

حكومة بنيامين نتانياهو لم تصدر أي موقف من الرسالة الوقحة، خاصة أن رئيسها كان متواجدا في العاصمة الإيطالية، بالإضافة إلى أن المتطرفين الذين أصدروا الرسالة ويمهدون لإنتاج مسرحيتهم مقربون من دوائر الحكم في دولة الاحتلال، ما يعني موافقة حكومة المتطرف الأكبر نتانياهو على روحها العنصرية ومضمونها الذي يرفضه العقل والمنطق.

هذا الحدث يعكس مدى التطرف العميق في الأيديولوجية التي أقيمت عليها دولة الاحتلال الصهيوني، وأن الحكومات الإسرائيلية لم تعد قادرة على إخفائه، ليرى العالم أن الظلم والقمع والقتل والتشريد المفروض على الشعب الفلسطيني أساسه أيديولوجية سياسية مبنية على تفسيرات متطرفة للدين اليهودي.

الإساءات اليهودية للدين الإسلامي والمسيحي تمارس بأبشع صورها من قبل المحتلين في فلسطين. فكم من قبور نُبشت ومقابر انتهكت حرمتها بل وجرفت، ومنها مقبرة قريتي المحتلة منذ العام 1948الجماسين القريبة من يافا، لا تبعد عن البحر سوى ثلاثة كيلو مترات، والذريعة فتح شارع في احد ضواحي تل أبيب التي أصبحت القرية من ضواحيها.

هل ما تعيشه المنطقة العربية الآن فصل من فصول الهجمة الصهيونية ممثلة بمتطرفيها من حاخامات وساسة ومستوطنين، جيء بهم إلى ما اقنعوهم أنها ارض الأجداد والسمن والعسل فإذا بهم في ارض الموت والسلاح والجدران؟. هل العبرانيون مسكونون بعقلية القلعة التي لم تحمهم من الدمار في أية مرحلة من مراحل وجودهم على ارض كنعان الفلسطينية؟.

صحيح أن التطرف يولد التطرف، لكن التطرف الصهيوني اوجد «داعش». نقول أوجده بالمعنى الحرفي للكلمة، ليكون اليد الثانية المقابلة له لتصفق وتدمر وتسيء للمسلمين والمسيحيين العرب، إذ إن الصراع يجري على الأرض العربية والاحتلال تم للأرض العربية والاستيطان يقضم الأرض العربية في فلسطين. بالمقابل..

فإن «داعش» لا يذكر ولم يطلق رصاصة ولم يدمر كنيسا ولم يهجر يهوديا محتلا ومستوطناً، بل هجّر مسيحيي الموصل ومسلمي الرقة ودير الزور والأنبار، وهدم مساجد وأضرحة صحابة ومعابد، وحين يُسألون عن إسرائيل يقولون: دورها ليس الآن!!!. علما بأن أي تلميذ في التاريخ يدرك ماهية الكيان الإسرائيلي وكيف ولماذا نشأ على ارض فلسطين وتمدد على مراحل على ارض مصر وسوريا والأردن ولبنان.

وكما شوهت الماكينة الإعلامية الصهيونية صورة العربي المسلم في الغرب منذ انهار الاتحاد السوفييتي، واتخذت من المسلمين بديلا له عدوا ليمارسوا دورهم عبر التاريخ بإثارة الفتنة على الأرض وبين البشر، فإن «داعش» يكمل الدور الصهيوني على أتم وجه.

وللأسف تنطلي خدعة الصهاينة على العالم. فبالرغم من البعد الإنساني لمأساة لاجئي البحر، الذين يموت منهم من يموت غرقا أو اختناقا وهم يهربون من المحرقة السورية والعراقية ومخطط التقسيم والتفتيت، فإن بعض دول أوروبا تتعامل مع اللاجئين على أسس دينية طائفية لا أسس إنسانية.

فما عدا ألمانيا وفرنسا، اللتان لديهما دوافعهما السياسية والاقتصادية ولم تشترطا ديانة معينة لاستقبال اللاجئين على أراضيهما، فإن دولا أخرى في أوروبا جعلت الدين عاملا مهما في طلبات اللجوء. وقد أعلنت سلوفينيا صراحة أنها ستوافق على استضافة ألفي لاجئ سوري لكنها اشترطت أن يكونوا مسيحيين. وأكدت سلوفاكيا في وقت سابق أنها ستقبل 200 لاجئ سوري على أراضيها، لكن يجب أن يكونوا مسيحيين.

وقال الناطق باسم وزارة الداخلية «نريد أن نختار المسيحيين فقط». وفي فرنسا، قال نائب رئيس بلدية روان الجمهوري ايف نيكولين إن البلدية ستستقبل لاجئين مسيحيين فقط، شاذا بذلك عن موقف باريس الرسمي ..

حيث قال في تصريحات نقلتها صحيفة لوموند «سنستقبل لاجئين شريطة أن يكونوا مسيحيين ومطاردين من قبل داعش». وقالت دول أوروبية أخرى إنها تفضل أن يكون اللاجئون الذين تستقبلهم على أراضيها مسيحيين، ومن بين تلك الدول قبرص والتشيك وسلوفاكيا وبولندا.

سيكشف التاريخ أن ما تتعرض له الأمة العربية بمسلميها ومسيحييها هو هجمة صهيونية شرسة تمهد لإقامة «إسرائيل الكبرى» اليهودية من النيل إلى الفرات، فيما نحن العرب غارقون في دمائنا!.