الحضاريون ينتشلون إيبلا من الركام (2).. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

الحضاريون ينتشلون إيبلا من الركام (2).. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٩ سبتمبر ٢٠١٥

   موجات همجية كثيرة متتابعة ومتدافعة مرت على هذه البلاد، فرنجية ومغولية و... سرقت وحرقت واستباحت وهدمت وأزالت.. لكنّ الامتداد الحضاري الذي استعادها ورمّمها بعثها إلى الوجود، فغدت كالعنقاء الأسطورية، تنتفض من رمادها كلما احترقت لتُعيد سيرتها ومسيرتها؛ وها هي مدينة (إيبلا) السورية تؤكد حضورها كشاهد آثاري مشاهد وملموس, غير آبهة بمن يمشي فيها على آثار خطا ابن العلقمي!.
   بعد اكتشاف إيبلا في النصف الثاني من القرن العشرين تبين لنا أن هذه المملكة كانت ذات بقعة واسعة جداً. نستطيع بشكل مبدئي أن نحدد حدودها من (حماة) في الجنوب حتى أعالي الفرات في الشمال، حتى جبال الأمانوس وساحل المتوسط في الغرب، ثم الفرات شرقاً. أما المدن التي كانت تقع شرقي الفرات وتمتد حتى البليخ، فتلك الممالك التي قامت هناك ومنها مملكة (تُتول) كانت من الممالك التابعة لمملكة إيبلا. لنقل إنها كانت معها على وفاق، أو كانت بينها معاهدات تنظم العلاقات بين إيبلا وبين هذه الممالك.
   نستطيع أن نتعرف على مكانة إيبلا ودورها السياسي من بعض المعاهدات التي وصلت إلينا من الأرشيف، منها معاهدة بين مملكة إيبلا ومملكة (أبرزال) – هناك اختلاف حول هذا الاسم، منهم من يقول إنها مملكة آشور، ومنهم من يقول هي (برصال) التي كانت في الألف الثاني قبل الميلاد إلى الشمال من (أرصلان باش) الآن إلى الشرق من مدينة ( كركميش) الحالية، وهنالك معاهدة ثانية كانت بين مملكة إيبلا ومملكة (خمّازي) التي يقال: إنها كانت بين نهري الزاب الأعلى والأسفل في الشرق. فإذا كان هناك معاهدة بين مملكة في الشرق وبين مملكة في بلاد الشام، فهذا يعني أن إيبلا كانت تستطيع أن تحمي تلك المملكة البعيدة، أو لنقل: تستطيع أن تهبّ لنجدتها في الوقت المناسب.
   ويشير باحث آثاري آخر إلى أن أرشيف إيبلا هو في رأي الجميع وثائق متكاملة جعلتنا نعيد النظر في جميع ما كتب عن سورية خلال الألف الثالث قبل الميلاد، ويقول: كنا نعرف سورية في الألف الثاني ق.م الآن نحن نعرف سورية في الألف الثالث ق.م. تحديداً في منتصف القرن الرابع والعشرين ق.م.
   هذه الوثائق فريدة لعدة أسباب. أولاً من حيث تصنيف اللغات، فقد عرّفتنا على لغة جديدة. ثانياً من حيث الحديث عن معظم النواحي الاقتصادية والاجتماعية، فإننا نستطيع أن نتعرف على آلهة سورية في الألف الثالث قبل الميلاد، ونستطيع أن نتعرف على التنظيمات الاقتصادية في الألف الثالث ق.م أيضاً. فهي وثائق متكاملة وليست جزءاً.
   هذه الوثائق أصبحت معروفة التاريخ نظراً للعثور على بعض الشواهد في القصر (جـ) فهي معاصرة لفترة (بيبي) الأول وهي معاصرة لفترة (إيل) في ماري لذلك تاريخها أصبح محدداً. ولكننا نتحدث عن أرشيف إيبلا؛ أي إننا نتحدث عن مجموعة اكتشفت في غرفة واحدة. ولكن في الواقع هناك مجموعة من الأرشيفات في إيبلا. هناك أرشيف يعود للقرن الثامن عشر، اكتُشفت بدايات هذا الأرشيف فهو أرشيف بابلي قديم، نشرت بعض لوحاته في مجلة دراسات إيبلائية. وهنالك أرشيف آخر عثر عليه عام 1974م ويُعرف بالأرشيف الدولي، وهو متأخر حوالي عشرين عاماً عن الأرشيف الأول. هنالك أرشيف ثالث يتحدث عن الخمور. هناك مجموعة من الأرشيفات من المحفوظات في إيبلا. لكن نحن نتحدث عن جانب منها فقط لا عن أرشيف إيبلا كله. فهناك عدة محفوظات في إيبلا، وإيبلا  تبشّر بعدة أرشيفات في المستقبل .أما العدد في نصوص إيبلا فقابل للتناقص باستمرار بسبب عمليات التجميع التي تجرى على هذه اللوحات سنوياً، فهناك ألفا لوحة كاملة تماماً لا ينقصها شيء. وهناك أجزاء من لوحات حوالي ستة آلاف كسرة، هذه الآلاف الستة سوف تتناقص في المستقبل، فكل سنة نجمّع ثلاث قطع مع بعضها، فيتناقص العدد ولكن اللوحة تتكامل.