النبأ التالي!!.. بقلم: د. إسماعيل مروة

النبأ التالي!!.. بقلم: د. إسماعيل مروة

تحليل وآراء

الاثنين، ٣ أغسطس ٢٠١٥

هل يتحول الوطن إلى جمعية خيرية؟! أتذكر هذه العبارة لصديقي وضاح عبد ربه، فذات يوم حدثته عمن يود أن يكتب في الجريدة، وشفعت طلبي بأنه في وضع حرج، ويحتاج إلى الكتابة، فقال لي بالحرف: لسنا جمعية خيرية، إن كانت كتابته لائقة لا بأس، وإن لم يكن مناسباً، يمكن أن نضع اسمه في قائمة، وتقدم له المعونة المناسبة، ولكن لا تجعل الصفحة مكاناً لفعل الخير وحسب، التزمت ذلك الرأي مذ سمعته، وحاولت أن أساعد من أشتم فيه رائحة الكتابة الجيدة، وهنا تكمن المجاملة الوحيدة، ولكنني تعلمت أن العمل العام الثقافي لا يخضع لمفهوم الجمعية الخيرية، ولا يحكم بقضية مسكين أو مسكينة وما شابه!
وحين كنت عضواً في لجنة عليا ثقافية، طرحت أسماء للتكريم ونيل الجوائز، ودارت حوارات كثيرة، وكلها يدور حول: اقترب من الموت، هو بحاجة للجائزة، هو يخدم الدولة، وما شابه ذلك من آراء، وأذكر، ويذكر شركائي في اللجنة أنني نافحت ودافعت ورفضت، وكنت أسأل دوماً عن الأثر الذي تركه هذا أو ذاك، مع تقديري لتاريخه، وأشكر القائمين على إدارة اللجنة اقتناعهم بالحجج، وكان رأيي يومها، إن كان أحدهم في وضع سيئ، فليقدم إليه العون، ولنقم بزيارته وتكريمه، أما أن يرتبط التكريم، وإن تقترن الجائزة بعوامل إنسانية، فهذا أمر مرفوض إكراماً لاسم الجائزة ومانحها، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يتم المنح لفلان أو فلان لاعتبارات إنسانية أو فئوية أو أسباب صداقية نجهلها، بل إن أحد الزملاء كان يسعى إلى الترويج لشخص ما قبل الاجتماع، ولكن لم يتم الأخذ بهذه المشاورات الإنسانية مدة التزامي بتلك اللجنة.
أذكر هذا الكلام تبرئة لاسم هذا التكريم، وقد سمعت الكثير من اللفظ حولها، فأنا أشهد أنه لم يكن يتدخل أحد في التقويم والاختيار، والتصويت كان سيد الموقف، بل إن بعضهم امتعض بأن التصويت ذهب مرة إلى أحد تشتم منه رائحة المعارضة، وكان الجواب بأن هذا يعطي التكريم مصداقية، خاصة عندما جاء الفائز لأخذ جائزته بكل احترام وتقدير!
وأذكره لأنني سمعت من أحد أصدقائي الذين أحترمهم حديثاً عجباً، فكان يقول بفخر: ذهب التكريم إلى فلان لأنه تعرض إلى كارثة، وإلى فلان لأنه اقترب من النهاية، وفلان من أجل التنويع المناطقي، وفلان، وفلان..!
ما هذا المنطق؟ إن تعرض فلان لكارثة، فالسوريون كلهم تعرضوا لكوارث، ونسبة المظلومية عالية، فالحرب يقع البسطاء ضحية لها، كثير منهم بلا بيوت ينام على الرصيف، يلتحف الشمس والثلج، فهل سعى هذا الصديق والمسؤول عنه لمساعدة هؤلاء؟ بماذا يختلف الكاتب أو المبدع إنسانياً عن الإنسان العادي البسيط غير المعروف؟ ألا يمكن أن يكون في تلك الأسر المنكوبة مبدع الغد الرائع؟
إذا كان التكريم للمبدع الأكثر أحقية فلا أحد يعترض، أما أن تشفع المبادرة بالمصيبة، فهناك كلام كثير ما سبق بعضه، ونحن لا نريد أكثر الكسالى اجتهاداً، خاصة إن كان المانح أكسل الكسالى، يقنعه كل شيء، ويقتنع بأي حجة، عندها يزيد المسافة بين المؤسسة الرسمية، والمثقف، وبالتالي بين المؤسسة والمواطن مهما كانت سويته الثقافية والفكرية.
أما أن أكرّم فلاناً، وهو صاحب قيمة، لأنه يقترب من النهاية وبحاجة إلى التداوي فهذا أمر مرفوض، حوطوا هذا بعنايتكم، لكن لا تقوموا بتكريمه بهذه الطريقة التي تقزمه قبل أن تقوم بتقزيم التكريم، والإساءة إلى من يحمل التكريم اسمه، واستكمالاً للجغرافية والولاءات يتم اختيار أحدهم، وآخر، وآخر، وكأن يحرد لو كان للجدير، وكان أكثر من جدير بهوية جغرافية واحدة، فسلمية المدينة المكتظة بالمثقفين الموجودين والراحلين قد تحجب أي تكريم ثقافي عن نيويورك نفسها، فما المانع؟
إليكم هذا النبأ المفجع بآلية تفكيرنا، والتي تظهر لنا الأسباب التي أوصلت سورية إلى هذا المكان، ومنذ بداية الأزمة وما قبل، وفيما بعد لا تظنوا أن أزمتنا في الحرية والرغيف، بل أزمتنا في الثقافة والثقافة فكر وحياة، والثقافة تدير الإدارة والاقتصاد والقضاء والدولة، وعندما يكون لدى الأمة ثقافة يمكنها تجاوز كل شيء.