ابن العبري في تاريخ مختصر الدول.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

ابن العبري في تاريخ مختصر الدول.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٩ يوليو ٢٠١٥

 تُخبرنا المطبعة الكاثوليكية في بيروت أن الأب (أنطون صالحاني اليسوعي) وقف على طبع كتاب " تاريخ مختصر الدول " ووضع حواشيه في طبعة أولى سنة (1890) وأعيد طبعه سنة (1958) في المطبعة الكاثوليكية أيضاً.
 اسم صاحب هذا الكتاب غريغوريوس بن أهارون، وكنيته (أبو الفرج) ويوصف بالعلامة ابن العبري الذي اندفع من صغره – بدوافع من أبيه- إلى تلقي الآداب والتخرّج في العلوم التي كانت لأهل ذلك العصر. درس أوّلاً اليونانية والسريانية والعربية، ثم اشتغل بالفلسفة واللاهوت وقرأ الطب على أبيه وغيره من مشاهير أطباء زمانه. غير أننا لم نتوصل إلى سبب نعته " بابن العبري " هذا النعت غير المستمد من اسمه أو معتقده أو مساره في الحياتين الدينية والمدنية!
 ولد أبو الفرج سنة 1226 ميلادية في مدينة ملطيّة قاعدة أرمينية الصغرى. وكان أبوه وجيهاً في قومه نافذ الكلمة في أهل بلده كريماً في عشيرته.. وبينما كان غريغوريوس عاكفاً على التحصيل جادّاً في الطب انهالت المصائب على بلاده وتعاقب عليها الخراب من الغزاة، ففر به والده إلى انطاكية وكان ذلك سنة 1243 فاختار أبو الفرج هنالك طريقة الزهد والنسك وانفرد في مغارة بالبرية. فلما انتهى خبر فضله إلى بطرك شيعته خف لزيارته في تلك المغارة مبدياً له غاية التجلّة والتكريم. ولم يلبث غريغوريوس برهة في تلك المغارة حتى شخص إلى طرابلس الشام وأكمل قراءة البيان والطب مع رفيق له يدعى (صليبا وجيه) على عالم اسمه يعقوب من مذهب النساطرة. وفي تلك الأثناء استدعاه البطريرك اغناطيوس سابا إلى انطاكية ورقاه في العشرين من عمره إلى أسقفية جوباس من أعمال ملطية ونصّب رفيقه (صليبا) أسقفاً على كنيسة عكاء سنة 1246. وغداة وفاة بطريرك اليعقوبية وقع الشقاق بين أساقفتهم على انتخاب خلف له فانقسموا في ذلك حزبين. تحزّب ابن العبري لديونيوس عنجور على يوحنا بن المعدني فنقله ديونيسيوس إلى أسقفية حلب سنة 1253 إلا أن الأحوال لم تمكنه من القبض على زمامها لأن (صليبا) الذي تلقى الدروس معه في مدينة طرابلس, وكان قد أقامه يوحنا بن المعدني " مفرياناً " على الشرق [ منصب المفريان – أي المثمر – عند اليعاقبة من أكبر المناصب بعد البطريركية ] ثم حصّل صليبا من الملك الناصر صاحب حلب عهداً سلّطه به على الأسقفية المشار إليها فاضطر غريغوريوس أن يلزم بيت أبيه الذي قد انتقل حديثاً إلى حلب ثم حين تيقّن عدم الفوز برغيبته رحل إلى دير برصوما بالقرب من ملطية لسنتين ثم قصد دمشق فحظي عند الملك الناصر ورفع مكانته وأعاده إلى كرسيّه مكرماً وأعطاه أيضاً براءةً للبطريرك ديونيسيوس يسلّطه بها المشرق كما كان قد سلطه على المغرب صاحب الروم، ولما كانت سنة 1258 استولى المغول بقيادة هولاكو على بغداد وقتلوا الخليفة وانقرضت دولة العباسيين فعمّ الخراب والدمار جميع بلاد مابين النهرين وسورية. ثم خرجوا بالجيش على حلب فسار ابن العبري إلى هولاكو ليستعطفه على رعيته وكان الجند قد توغلوا في المدينة وقتلوا من الروم واليعاقبة مقتلة كبيرة.
    (يتبع..)