من إيران إلى شمال إفريقيا.. ماذا تريد أمريكا؟.. بقلم: كمال بالهادي

من إيران إلى شمال إفريقيا.. ماذا تريد أمريكا؟.. بقلم: كمال بالهادي

تحليل وآراء

الخميس، ١٦ يوليو ٢٠١٥

في اللحظة التي كانت فيها الدبلوماسية الأمريكية منخرطة في مسار تفاوضي شاق مع إيران، لتوقيع اتفاق حول برنامجها النووي، كان البنتاغون يغير وجهة بوصلته نحو شمال إفريقيا، وكأنّ الولايات المتحدة تسعى إلى إغلاق باب أزمة في الشرق وتفتح باباً ثانياً في شمال إفريقيا..
الاهتمام المتنامي من قبل الولايات المتحدة بشمال إفريقيا لم يعد خافياً على أحد، فمراكز الدراسات والتحليلات السياسية بدأت تخرج للعلن أعداداً كثيرة من المقالات والأسرار عن الجماعات المتطرفة في شمال إفريقيا ودول الساحل والصحراء، وتثبت مدى خطورتها خاصة عندما تحدث عمليات إرهابية صادمة يبقى فاعلوها مجهولين. هناك مخطط جديد لتعميم الفوضى في منطقة شمال إفريقيا التي ظلت إلى غاية الآن خالية من «الأزمات المصنّعة في أمريكا»..
الاتفاق الذي تم توقيعه بين إيران، ومجموعة الخمسة زائد واحد. ويقضي هذا الاتفاق في مخرجاته الكبرى بضمان احتواء المجموعة الدولية للخطر الإيراني وترويض الطموحات النووية بشكل عاجل والبدء في مسار طويل من رفع العقوبات الاقتصادية والحصار المفروض على الدولة الإسلامية، تمهيداً لانخراطها في النظام العالمي الجديد الذي يجري تشكيله على قدم وساق. ويمكن رصد جملة من القراءات في هذا الاتفاق التاريخي. القراءة الأولى تتمثل في سحب اسم إيران من قائمة الدول التي تشكل تهديداً للغرب، وتقريبها من دائرة الأصدقاء ولم لا دائرة الحلفاء باعتبارها دولة إقليمية قوية، يمكنها أن تلعب الدور التركي في المشهد الإقليمي المستقبلي. وفي الحقيقة فإن إيران تضع نصب أعينها أن تكون في مثل هذا الموقع الاستراتيجي، كدولة ذات شأن في كل ما يهم المنطقة. القراءة الثانية، يمكن فهمها في إطار الاستتباعات التي ستنتج عن مثل هكذا اتفاق من الزاوية الاقتصادية طبعاً، فإيران ستعمل على جني ثمار هذا الاتفاق، وستكون وجهة استثمارية ضخمة نظراً لضخامة إمكاناتها ونظراً للوضع الأمني المستقر فيها، ونظراً لكونها دولة كانت تحت الحصار، ما يجعل فرص الاستثمار فيها كبيرة. ومن هنا تأتي مشروعية التساؤل عمّا بعد إيران؟ فإن كان جزء مهم من المشاكل التي واجهتها الدول العربية ارتبط باستتباعات الثورة الإسلامية في إيران، فإن السؤال يقتضي اليوم البحث عن وجهة الأزمات بعد أن صارت إيران دولة صديقة ومسالمة في العرف الأمريكي والدولي؟
الكاتب العراقي والسياسي السابق فاضل الربيعي، كتب مقالاً مهماً عنوانه «حفلة الجنون لم تبدأ بعد» وفيه تطرق إلى مستقبل الأزمات في المنطقة العربية، من خلال تنظيمات أكثر توحشاً من «داعش» ،وسعي هذه التنظيمات إلى إدخال دول عربية في بؤرة أزمات خطرة. لكن السؤال أين ستكون حفلة الجنون هذه؟ هل هناك من جنون أكثر مما حدث في العراق وسوريا ومما يحدث في ليبيا واليمن؟ نعم هناك جنون أعظم، وهناك تهديدات خطرة لدولتين مركزيتين في شمال إفريقيا، هما مصر أم الدنيا والجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد. فهاتان الدولتان العظميان، صمدتا أمام المشاريع التخريبية التي تستهدفهما من سنوات طوال بفضل مؤسستين عسكريتين قويتين. وعليه ،فإنّ المخططات التي تستهدف إعادة التقسيم، تفرض أعمالاً جنونية لخلط الأوراق في منطقة شمال إفريقيا. لذلك فإن وضع الملف الإيراني على الرّفّ، هو إعلان حرب في منطقة جديدة، يخطط لها أعداء الأمة العربية.
أمريكا تضع نصب أعينها الآن في منطقة شمال إفريقيا، فهي تعلن عن أنها ستنشئ قاعدة عسكرية في إحدى دول المنطقة، والمفاوضات جارية مع بعض الدول لاحتضان هذه القاعدة التي ستكون مدخلاً لحرب طويلة في المنطقة وإن كانت الإدارة الأمريكية تعلن أنها مخصصة للحرب على «داعش» ليبيا. الحقيقة أبعد من ذلك لأنه لا يمكن الحديث عن بناء قاعدة عسكرية دائمة لمحاربة تنظيم، رغب المجتمع الدولي في القضاء عليه بصفة جذرية لكان له ذلك في ظرف قصير. ولكن الحديث عن مثل هذه القواعد العسكرية الدائمة يستدعي الحديث عن مسار طويل لأزمات قادمة في منطقة ظلت آمنة وبعيدة عن الاحتراب الداخلي. تعيين تونس حليفاً استراتيجياً من خارج الناتو للولايات المتحدة، وتدخل عدة أطراف أوروبية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا في شؤون منطقة شمال إفريقيا هي مجرد ترتيبات أولية لحفلة الدم والجنون التي يقع التخطيط لها. لقد خبرنا من خلال سنوات الحروب التي تعيشها الدول العربية منذ عقود، أن العمليات العسكرية عادة ما تسبق بالتحذيرات، وبسيل جارف من التحليلات الإعلامية، حتى يتم تشكيل وعي مسبق بأن تلك الدولة أو المنطقة باتت تمثل تهديداً للأمن العالمي.
من خلال مراقبة الاهتمام الإعلامي واهتمام مراكز البحث الرسمية وغير الحكومية الأمريكية، بمنطقة الشمال الإفريقي، يتضح أن عملية التهيئة النفسية، قد اكتملت لتشكيل رأي عام دولي يتفق على خطر هذه المنطقة المستقبلي. ما الذي يبقى إذاً؟ المنطقة تنتظر ساعة الصفر، التي ستعطى فيها إشارة انطلاق هذه الحرب. صحيح أن «داعش» ستكون هي عنوان المرحلة، لكن هناك أهدافاً أبعد من «مجانين» داعش في ليبيا وهم في الأغلب من التونسيين والليبيين. حفنة من هؤلاء المجانين لا يمكن أن يستدعوا حلف الناتو لإقامة قواعد ، وينصب مراكز مراقبة وتنصّت على الحدود التونسية الليبية هناك نشاط عسكري متزايد، يؤشر إلى نذر حرب قادمة، يمكن أن يتسبب فيها مجانين «الدواعش» الذين يتخذون من الأراضي الليبية مستقرّاً لهم.
إن هؤلاء المجانين هم ذريعة، للتدخل في المنطقة ولفتح صفحة أزمات جديدة بعد أن طويت ملفات الأزمة الإيرانية.