دعوا رمضان يتحدث.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

دعوا رمضان يتحدث.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الخميس، ٢٥ يونيو ٢٠١٥

على الرغم من مواجع الفتنة الكريهة التي صنعت لسورية، ووسط الآلام المطبقة التي جرّتها إليها الحرارة العالية لمطابخ التخريب والإفساد والتفرقة السيادية  والسياسية والدينية الطائفية والمعيشية لا يمنع أن ندع حقائق ضمائرنا الإيمانية المخلصة التي سلمت من هذا الإثم والأذى تنطق كلمات الأمل والتفاؤل بيننا جميعاً بجرعة الإخوة والتحابب مع الولاء الوطني "كل عام وأنتم بخير" لشهر يتدخل فيه الزمن الرباني القرآني مواساة نيابة عن نفوس كثيرة عقِمت عن ولادة الحب والإيثار والسلام، قد كشفت الأزمة عوراتها، وقد كان بيننا وبينها قُربى في الدين أو الأرحام أو في المجتمع والوطنية، وهي في التشبيه كالسلك الموجب الذي التقى مع السلك السالب العدواني الخارجي القريب والبعيد فوقع به الأمر الذي قُدر:
وظلم ذوي القُربى أشد مضاضة        عليَّ من وقع الحسام المهند
ولعل مما يضعف رونق الجهاد الرمضاني تقاليد الخطاب الوعظي التديني الذي يُكرر كل عام مقولات وتفتقات متحدثين عنه قد طبخت حتى احترقت، لم تنفذ إلى الهمم ولم تجمع لها الهدى والفرقان، ولم تأت بجديد تنشط به النفوس، وربّ كلمة هدي مفردة تشرق من جناحي: (عزيز عليه ما عَنتم) و(حريص عليكم) خير من بدائع البلاغة ومن محكمات الإنشاء؛ فالصدق في الآلام والآمال، وفي أداء الطاعات والمشاريع هو الذي يليق به أن يترجم الإحسان في كرامة عزة: (أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وليس التكحل في العينين كالكحل، فالصوم عبادة ذوقية يبقى فيها الصائم المؤمن المثقف المتعقل صائماً في سره وفي علنه وهو يرضى في هذه الطاعة عن الله ويرضى الله عنه، ثم تفيض على نفسه وشخصيته معاني ومفاهيم وحكمة لا تحدها حروف ولا فصاحات لأنها من عالم: (إلا الصوم فإنه لي وأنا الذي أجزي به)، وهل الطعوم والمذاقات هي من لغات العقول أم من لغات القلوب والأرواح؟: (قل الروح من أمر ربي)، وفي الحديث: (ذاق حلاوة الإيمان) ولم يقل عرف حلاوة الإيمان!..؛ ولا يعرف الشوق إلا من يكابده        ولا الصبابة إلا من يعانيها.
لقد ثقلت الدنيا بالعلوم والمعارف والثقافات، وقد أرهق كل ذلك الخطابات والمتحدثون والإطالات؛ مع أن دمعة من عين مهموم متألم مظلوم وغيور وفي تضحياته وإيثاره وحبه للآخرين من غير (الأنا) خير في صدقيتها وإقناعها وتأثيرها من أي إعلام وبيان، وما كان الرسول العالمي في رسالته ورحمته صلى الله عليه وسلم ليقنع الناس بما نزل عليه من أعظم قرآن وحجة وبيان في شؤون الكون كله، وما كان ليصح أن يؤسس بذلك الحق (خير أمة أخرجت للناس)، ولكنه كان الرسول الرجل الذي ذاق مرارات اليتم والفقر والجوع والحيرة، وكان يجشم نفسه معاناة الصيام والقيام والتضحيات؛ لا يأمر بعمل إلا ويراه من حوله أسبقهم إليه، يحمل هموم الأمم في الدنيا والآخرة، ولو شاء أن تُجلب إليه فنون النعيم لفعل ولكنه كما اختار له ربه عز وجل، وعلى ذلك توفي ولا أثر بقي له من دنيا إلا دَين كان عليه، وصدّق في حاله ما نزلَ عليه: (وللآخرة خير لك من الأولى) يتوازى ذلك مع: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وهذه كلها هي مفاتيح الوصول إلى القلوب والعقول والرضى يصنع الصوم الواعي المهذب أهم آثارها وبه – كما حفظ التاريخ- تنكشف حقائق الناس المؤمنين لا بشقشقات الألسن..، فإن الهموم بقدر الهمم..
يتبع