تصادم المعتقدات الدينية واستحالة التصالح.. بقلم: كميل العيد

تصادم المعتقدات الدينية واستحالة التصالح.. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ يونيو ٢٠١٥

يقول لوبان غوستاف "" إن عدم التسامح يلازم المعتقدات القوية "" وقد أثبت التاريخ أن عدم التسامح بين أنصار المعتقدات المتقاربة كالبروتستانت والكاثوليك يكون أشد مما بين أنصار المعتقدات المتباعدة كالإسلام والمسيحية. فإذا نظرنا إلى المعتقدات التي شطرت فرنسا زمناً طويلاً رأيناها لا تختلف إلا في الأمور الثانوية، فالكاثوليكي والبروتستانتي لهم إله واحد ولا يختلفان إلا في كيفية عبادته، ولو كان للعقل شأن في صوغ معتقدهما لأراهما أن لله لا يبالي بالصورة التي يعبد عليها.
ولما كان العقل غير مؤثر في دماغ المؤمنين استمر البروتستانت والكاثوليك على الاقتتال بقسوة، وما سعى فيه الملوك للتأليف بين الفرقتين ذهب أدراج الرياح، وعندما جمعت الملكة الفرنسية كاترينا دومديسيس علماء اللاهوت من البروتستانت والكاثوليك للحوار خاض الطرفان غمار المناقشة والشتم من غير أن يحيد واحد منهم عن عقيدته, ورغم ذلك لم تكتشف الملكة بأن التسامح وإن أمكن بين الأفراد فهو غير ممكن بين الجماعات.
كان البروتستانت يسيطرون في جنوب فرنسا حيث اضطهدوا هناك الكاثوليك لكي يترك هؤلاء عقيدتهم، وكانوا يذبحونهم وينهبون كنائسهم عندما يحبط عملهم. أما الكاثوليك فلم يكونوا أقل ورعاً من البروتستانت في الأماكن التي كانت الأكثرية فيها لهم. وقد نشأ عن مثل هذه الأحقاد حروب دينية ضرَّجت فرنسا بالدم زمناً طويلاً. فأخذت تلك الحوادث تفكك عرا فرنسا، حتى أصبحت في أواخر عهد هنري الثالث جمهوريات صغيرة مستقلة متشاكسة، وقد تضاءلت سلطة الملوك ووقعت المذابح وكانت أسوأها وقعاً مذبحة سان بارتلمي سنة ١٥٧٢. ولم تكن هذه المذبحة جرماً اقترفه الملك، بل جرم شعبي ارتكبته الأصولية الكاثوليكية بحق أبناء دينها من البروتستانت، حيث بدأت المجزرة عندما قتلت الملكة كاترين دوميديسيس في باريس خمسة من زعماء البروتستانت الذين ظنت أنهم يتآمرون عليها وعلى الملك، وشاع ذلك في باريس فانقض أشراف الكاثوليك والحرس الملكي والجمهور على الخوارج من البروتستانت فقتلوا منهم ألفي نفس، وقد حذا سكان الولايات حذو أهل باريس في ذلك بعامل العدوى فسفكوا دماء ما يقرب من ثمانية آلاف نفس. واستمرت المجازر المتبادلة بين الكاثوليك والبروتستانت في فرنسا قرابة القرنين من الزمان وهم يتقاتلون كالبهائم على قضايا لاهوتية لا يحلها حلال. وحده فولتير كان يصرخ وينادي ارحموا الشعب الفرنسي ارحموا الفقراء المرهقين فكلنا فرنسيون وإخوة.
 والسؤال الذي نسأله جميعاً والذي يحمل الإجابة من مدلولاته؟.. لماذا لا نستفيد من تجارب الشعوب المتحضرة، والتي كانت تقتل بعضها بعضاً إلى أن اكتشفت خطأها بعد سلسلة من الجرائم والمذابح؟... إلى متى يبقى مشايخ الدين يصبون الزيت على النار، ويؤلبون الناس ضد بعضهم البعض بدعوى الخوف على المذهب والدين كما كان يفعل القساوسة وسفهاء الكاثوليك والبروتستانت في عصور الظلام الفرنسية والذين كانوا يختبئون مع أبنائهم في الأديرة والكنائس. إلى متى يبقى يُقتل الفقراء بلا ذنب سوى أن بعضهم ولد من هذه الطائفة والآخر ولد من غير طائفة، أقول الفقراء لأن الأغنياء إن لم يغادروا أو يهاجروا فلديهم حماياتهم ومحمياتهم.
 إلى متى نبقى نتذابح على قضايا تاريخية من نوع البيضة وجدت قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة؟ متى نستوعب بأن الصراع في العالم هو صراع على المصالح والنفوذ والبزنس والمال، فيما صراعنا على قضايا مضى عليها ألف وأربعمئة عام وهي قابلة للتكذيب والتأويل والاجتهاد؟
إن تاريخ الحروب الداخلية والأهلية يقودنا إلى حقيقة مفادها أنه عندما يسكن الزمان يتأكد للجميع بأن الوقوف على نفسية عصر من خلال نفسية عصر آخر أمر مستحيل.