الانفصاليون العرب.. بقلم: كميل العيد

الانفصاليون العرب.. بقلم: كميل العيد

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٦ مايو ٢٠١٥

كان باباوات أوروبا في القرون الوسطى يبيعون الناس في الدنيا أراضي ومنتجعات في الجنة ليستمتعوا بها في الآخرة، وكان رجال الكنيسة من قساوسة ورهبان يبرمون العقود والصكوك والاتفاقات مع الناس نيابة عن البابا يضمنون لهم من خلالها الاستمتاع بقطعة أرض في الجنة بعد مماتهم مقابل مبالغ كبيرة أو التنازل عن أملاكهم للبابا.
في أحد الأيام حضر إلى البابا يهودي وأراد شراء كامل النار في الآخرة، فرأى البابا وبعد استشارة رجاله بأن أراضي النار كاسدة، ولن يأتي غبي غير هذا اليهودي لشرائها فقرر بيعها بسعر مرتفع وأبرم لأجل ذلك صكاً مع اليهودي تم بموجبه بيعه كامل النار. ولكن حساب السرايا لم يطبق على حساب القرايا، فاليهودي تاجر شاطر ومحنك وهو يشتري ليبيع بسعر أعلى, فخرج للناس وأفصح عن عقده المكتوب وقال لهم إن النار بكاملها أصبحت ملكه وإنه سيغلقها ولن يسمح بدخول أحد عليها وبالتالي لم يعد هناك حاجة لأي كان لشراء أراضٍ في الجنة بعد أن ضمن للجميع دخولها بعد إغلاقه أبواب جهنم. عندها لم يعد أحد يشتري من الكنيسة أراضي في الجنة، لأن اليهودي ضمن لهم عدم دخول النار فما كان من البابا ورجال الكنيسة إلا أن أعادوا شراء النار من اليهودي بأسعار أضعاف مضاعفة.
 هذا هو حال الانفصاليون العرب وأعداء العروبة من متأسلمين وكرد وطوارق وملوك وأمراء وبعض النخب والزعامات ؟؟.. وغيرهم والذين يعملون على تقسيم وزعزعة استقرار الأمة العربية ويسوّقون بأن الحلول في سورية والعراق واليمن وليبيا والسودان ولبنان وغيرها هو بتقسيمها إلى فيدراليات وكانتونات. فأمريكا والغرب وإسرائيل تدفع لهم المال والسلاح والجاه من أجل زعزعة الاستقرار في البلاد العربية وتقسيم المقسم منها أصلاً، وحال أمريكا والغرب وإسرائيل هذا كحال اليهودي الذي اشترى النار من الكنيسة. فدول الخليج العربي ومعها بعض النخب التي تعتقد بأنها مثقفة والتي عن وعي أو من دون وعي تتآمر مع الغرب لتقسيم المنطقة وتجزئة المجزأ منها سيدفع ثمن فعلتها إن نجحت لا قدر الله الأجيال القادمة والتي لن يكون باستطاعتها إعادة توحيد البلاد لمواجهة التكتلات الكبيرة في العالم إلا بكلف قد لا تقوى على دفعها.
 فمتى يقرأ الانفصاليون الجغرافية والتاريخ والمصالح على حقيقتها ويكفّون عن هذه الثرثرات الانفصالية ؟؟.. متى يدرك هؤلاء بأن أمتهم هي الوحيدة في العالم التي تسكن جغرافية متصلة، ولها عوامل ومشتركات ومصالح واحدة وتواجه تكتلات عالمية كبيرة وتتعرض لنفس التهديد في وجودها ومستقبلها وتتوزع في نفس الوقت على أكثر من عشرين دولة مستقلة، منفصلة الواحدة عن أختها بانفصال سياسي استثنائي فرضه اليهودي الذي اشترى النار من الكنيسة!!!...
متى يدرك الانفصاليون العرب بأن اليهودي (بالمعنى المجازي) مستمر في العمل على صياغة جديدة لسايكس بيكو تقوم على تقسيم المقسم وخلق كانتونات تصبح محميات لقوى إقليمية ودولية ؟؟..
متى يتوقف الانفصاليون العرب عن سعيهم لزيادة عدد الدول العربية القائمة اليوم من خلال تقسيمها, ومتى يدرك هؤلاء الانفصاليون حجم الكلف التي ستدفعها الأجيال القادمة ثمناً لاستعادة وحدتها والتي هي ملاذها الوحيد لمواجهة التحديات في المستقبل؟؟..


هامش:
الأجيال القادمة لن يكون باستطاعتها إعادة توحيد البلاد لمواجهة التكتلات الكبيرة في العالم إلا بكلف قد لا تقوى على دفعها.