جوبر.. مجسم مصغر عن الحماقة «الإسرائيلية» الكبرى.. بقلم: إيهاب زكي

جوبر.. مجسم مصغر عن الحماقة «الإسرائيلية» الكبرى.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢١ مارس ٢٠١٧

بيروت برس -

لم يكد بن سلمان أن يغادر الولايات المتحدة، بعد زيارةٍ اعتبرها الإعلام النفطي وسامًا تاريخيًا على صدر الزائر، حتى قامت 800 عائلة من ضحايا هجوم 11/9 برفع دعاوى قضائية على الحكومة السعودية، وذلك حسب قانون "جاستا"، وهذا الإيراد الخبري ليس من باب الشماتة، بل من باب إثبات طبيعة الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، فهي تخضع لثنائية السادة والعبيد، ويبدو أن اللواء السعودي أنور عشقي رأس جسر إشهار التطبيع بين "إسرائيل" وآل سعود، أكثر من قدم تفسيرًا واقعيًا لتاريخية الزيارة، حيث قال "التاريخ سوف يشهد بأنها أثرت في إعادة تشكيل الشرق الأوسط على أسس من السلام والأمن والرخاء". فحين يتفوه جنرال التطبيع بمفردات السلام والأمن والرخاء، فهو قطعًا يقصد "إسرائيل"، وما حدث في جوبر من هجومٍ فاشل، هو إحدى الدلالات عن صدق ما يقوله عشقي، وهي "بروفة" عملية للحرب العربية "الإسرائيلية" المقبلة.

فلا يمكن على الإطلاق فصل الهجوم الإرهابي على جوبر، عن صفعة الصواريخ السورية للكيان الصهيوني، وأكاد أجزم أن الغارة الصهيونية لو تمت بلا رد سوري، لما أقدمت المجاميع المسلحة على مهاجمة دمشق، حيث أنه لا يوجد أي هدف سياسي أو عسكري سيصب في خدمة ما يسمى بـ"المعارضات" نتيجة هذا الفعل، بل على العكس تمامًا، فهي بذلك قدمت مبررًا قويًا لموقف الحكومة السورية الذي يقول بأنه لا وجود لإرهابٍ معتدل وآخر متطرف، وأن كل من حمل السلاح ضد الدولة السورية هو إرهابي، ولا خيارات أمامه سوى الموت أو الاستسلام. وفي تبريره للهجوم، يقول المدعو وائل علون قائد ما يسمى بفيلق الرحمن، أنه "جاء استباقًا لما يحضِّر له النظام منذ ثلاثة أشهر"، وبالطبع لا يمكن البناء على ما يقول هؤلاء، فهم مجرد أدوات يتم تسخيرها في لعبةٍ كبرى لا يدركون كنهها، ونسبة الأهداف العسكرية والسياسية من هذه العملية لهم، هي من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها بعض المحللين والإعلاميين، فهم لا يملكون إرادة التحرك ولا إرادة التقرير، وهجوم جوبر أهم الأمثلة على كونهم يتحركون بالأوامر الخارجية حتى لو على حساب مصلحتهم الحياتية أولًا، فضلًا عن مصالحهم السياسية أو العسكرية إن وجدت.

فمثلًا حين يقول بعض المحللين "أراد المسلحون - توخى المسلحون - استهدف المسلحون"، فهم يقعون في خطأ شائع فضلًا عن كونه خطأ تحليلي فادح، فكل أفعال الإرادة العائدة على المسلحين هي عوَّارٌ بيِّن ولا محل لها من الإعراب، فإنهم قبل الهجوم على جوبر، كانوا يتمتعون بحماية مظلة دولية توفرها لهم منصتا أستانة وجنيف، وأي عاقل سيحاول تسخير هذه الحماية لتسجيل أهدافٍ تفاوضية وسياسية، ولكن هذا رغم أنه يدخل في صلب المصلحة "الإسرائيلية"، إلّا أنّ قوة الصفعة الصاروخية السورية أفقدت العدو توازنه، فقرر أن يحرق تلك المظلة مقابل تنغيص فرحة السوريين، فزجَّ بهؤلاء الحمقى إلى عرين الأسد، تحت شعارات واهنة وأهداف سياسية وتفاوضية أكثر وهنًا. ومن هنا نستطيع الجزم بالأهداف الحقيقية لحماقة الهجوم على دمشق، رد "إسرائيلي" غير مباشر على التصدي السوري لعدوان الطائرات "الإسرائيلية"، وإعلان سعودي صريح عن الاستعداد التام للمشاركة في أي حربٍ سورية أو لبنانية "إسرائيلية" مقبلة، وكل ما يقال عن أن هذه المعركة تهدف لتحسين وضع "المعارضات" التفاوضي قبيل جنيف، ما هو إلا ورقة التوت الأخيرة.

كما كان الهجوم على جوبر هو الرد "الإسرائيلي" على الصواريخ السورية، فإنّ الصواريخ السورية هي الرادع عن قيام العدو "الإسرائيلي" بأي طلعات جوية بهدف مساعدة مجاميعه الأرضية، فهذه "الدويلة" تثبت كل مرةٍ أنها بالفعل أوهن من بيت العنكبوت، وأنها أحمق من أن تنتصر، لذلك فهي تكتفي بالاعتماد على الماكينات الإعلامية للنفط في حرف البوصلة وتوهين العزائم، وفي وقت الاعتماد هذا يراكم محور دمشق القدرات والخبرات والقوة، حتى إذا ما انفجرت الحماقة "الإسرائيلية" بعملٍ استفزازي، تكون ارتكبت حماقتها الأخيرة، وما حماقة المجاميع الأرضية لـ"إسرائيل" في جوبر، إلا تجسيم مصغر لمصير الحماقة "الإسرائيلية" الكبرى، فالكتب تُقرأ من عناوينها.