بين التقييم والتقويم.. بقلم: سامر يحيى

بين التقييم والتقويم.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ٢٨ مايو ٢٠١٦

التشخيص المنطقي السليم، وتقييم عمل كل فرد أو مجموعة أو مؤسسة وتقويمه، هو واجب كل منا سواء تجاه نفسه وتصرّفاته في بيئته ومجتمعه وصولاً للوطن كله، فالتشخيص المنطقي السليم المنطلق من تحقيق المصلحة الشخصية، ضمن إطار مصلحة الوطن وتحقيق الأهداف المنشودة، هو ما ننشده جميعاً، فمصلحة الفرد من مصلحة المجتمع، ومصلحة المجتمع هي مصلحة الوطن، ولا يمكن الفصل بينهما، فشموخ الوطن بشموخ أبنائه وانتصارهم وتلبية حقوقهم.
وهذا ما يجب أن تدركه بالدرجة الأولى مؤسسات الحكومة، التي مهمتها إدارة موارد البلد المتاحة بطريقةٍ تسهم باستكمال تطوّر وازدهار البلد، وتلبية متطلّبات أبنائه، ولن تنجح إن لم تعمل على تقويم أدائها، فهي كل عامين تعمل على تقييم أداء موظفّيها، وفي ضوء ذلك تعمل على ترفيع كامل أو جزئي أو عدم الترفيع أو العقوبة، نتيجة لاستمارة يملؤها المدير الذي بكل تأكيد لن يكون حيادياً مهما اتّصف بالنزاهة، عدا أن هذه الاستمارة قد تكون مترجمة أو وضعت من خبير موارد بشرية لمؤسسة لا علاقة لها بعمل تلك المؤسسة، متجاهلة الاختلاف بين أداء ودور الأفراد في كل مؤسسة، فالتقييم عملية تستند لقواعد أكاديمية، لكنّ فيها شقاً يتعلق بكل مؤسسة، وبكل فردٍ، فلا يمكن أن نقيّم شخصاً معيّناً في ظرفٍ معين، ونسقطه لشخصٍ آخر وتكون النتيجة واحدةً لكنّها متناقضة وفيها ظلمٌ حقيقي لأحدهما.. وهذا جزء من معاناتنا عند تطبيق الكثير من القرارات والقوانين، فهي في إطارها العام تصب في مصلحة الوطن والمواطن، ولكن عند تعليماتها التنفيذية وتطبيقها على أرض الواقع، تعرقل الهدف الذي صدرت لتحقيقه بل تكون في أغلبية الأحيان ذات أداءٍ سلبي.
إننا في سوريتنا لسنا بحاجة للتقييم، فسورية تاريخها عريق والمؤسسات الحكومية قائمة وتقوم بدورها، وخمس سنوات من الحرب على سوريتنا، والحصار والتآمر عليها يجعل من عملية التقييم والتشخيص معروفة من دون أدنى شك للأغلبية إن لم نقل للجميع، فما نحتاجه هو التقويم والتنفيذ السليم، أي تناول العلاج، لا وصفه، فهل من الصعوبة بمكان وضع فقرة في نهاية كل استمارة تقييم؟ ما إمكانية تقويم هذا العامل ضمن ظروف عمله، ولاسيّما أننا في مؤسساتنا نرى موظفين، أحدهما يقوم بعمل ثلاثة أشخاص والآخر يعمل لثلاث دقائق... لكي نستطيع الوصول للغاية المثلى من التقييم والتقويم بتطوير أداء المؤسسة.
هل قام المسؤول الذي تم نقله لعمل آخر، أو تجديد الثقة به بنفس مكان عمله، بتقويم نفسه، مستفيداً من أخطائه ومعالجتها، وتطوير إيجابياته، وهل فشل مسؤول في هذه المؤسسة يعطي مبرراً لنجاحه بمؤسسة أخرى إن لم يقم بإعادة النظر بأسباب فشله لتفاديها في المؤسسة الجديدة.
هل يقوم هذا المسؤول أو ذاك بتقييم نفسه وعمل مؤسسته استناداً لجمهور مؤسسته وما يلمسه المواطن من نتائج عمله، بعيداً عن المحيطين به والانتهازيين وتجار الأزمات.. أم يستمر بالعمل وفقاً لمنطقه، ما يؤدي لتراكم السلبيات وتزايد الأخطاء، وبالتالي تآكل الإيجابيات وتوسيع الفجوة بينه وبين مؤسسته وبين المواطن.
إننا أمام مجلس شعبٍ جديد، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة، وتغييرات في عدّة مفاصل إدارية قد تكون روتينية، وقد تكون نتيجة الحاجة للتغير، لذا نحن بأمس الحاجة لعملية تقويم حقيقية، والاستفادة من جهود وخبرات وأعمال المسؤول السابق، فمهما كان هذا المسؤول فاشلاً فبإمكاننا الاستفادة من سلبياته بتفاديها، ومن إيجابياته بتعظيمها، لا أن نقوم بمسح الطاولة كلها والبدء من جديد، وباعتبار سوريتنا في مرحلة أزمة، ويكاد يكون كل سوري منظّراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً و... إلخ، فالسوري شخص ديناميكي عملي، تكفيه فترة ثلاثة أسابيع لفهم عمل المؤسسة والتواصل مع كل العاملين بها لتحقيق أهدافها وربط المؤسسة بالمجتمع، وتضييق الفجوة بينها وبينه.
إن التشخيص السليم، والتقويم الحقيقي لعمل مؤسساتنا الوطنية كلّها من دون استثناء، هو العمل على تفعيل دور كل موظّف أنّى كان، فلسنا بحاجة لمؤسسات جديدة، إن لم نقوّم عمل المؤسسات القائمة، فقد حصلت تغييرات كثيرة بعدّة مؤسسات، "دمج أو فصل"، ومع ذلك لم يلمس المواطن أي دورٍ أو تأثير لهذه المؤسسات على أرض الواقع، وأحياناً بالعكس تماماً، عدا تقاطع الصلاحيات بين أكثر من مؤسسة، ما انعكس سلباً بدلاً من أن يكون محفّزاً ودافعاً لتبادل الأفكار والآراء وتطوير العمل الوطني، بسبب رمي كل مؤسسة المسؤولية على الأخرى والتهرّب من الواجب الوطني.
الموازنة العامة للدولة، والصرفيات والنفقات، نحن أحوج ما نكون لعملية تقويمها لا تقييمها، فقد قيّمناها عند وضعها ببداية العام، والآن في منتصف العام نحتاج للتقويم لعملية الإنفاق والإيراد وما حقّقته لمصلحة المؤسسة، فكم من الأرقام تكون ظاهرياً لمصلحة المؤسسة والوطن، لكنّها على المدى القريب مدمّرةٌ للاقتصاد وللمؤسسة نفسها، والعكس صحيح قد تدفع مؤسسة لبندٍ أكثر من الحاجة إليه، لكنّه يعطيها على مدى سنوات طويلة قادمة أضعاف ما تمّ وضعه.
إن عملية الاستمرار بالتنظير والحديث عن مكافحة الفساد وتطوير الأداء، إن لم تعتمد على التقويم الحقيقي لتطبيق النتائج على أرض الواقع ويلمسها المواطن، فستبقى في إطار توسيع الفجوة بين المواطن والوطن، ونكون عبئاً على الجيش العربي السوري والقيادة السياسية، وليس عوناً لهما في مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، فسوريتنا في مرحلة زمنية تحارب إرهاباً دولياً، تحتاج تكتيكاً مختلفاً في تفعيل أداء المؤسسات وتطويرها لتناسب المرحلة التي نعيش بها، مستفيدين من أخطاء وإيجابيات الماضي للوصول للمستقبل المنشود.